×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

عباس بن فرناس ( نهاية حلم وبداية مأساة ) !
شتيوي العطوي

حين نسأل عن سبب تخلّف المسلمين عن ركب الحضارة يأتي الجواب التقليدي : البعد عن الدين ! . لكن ماذا عن الأمم الأخرى التي وصلت القمر ، وتجاوزت إلى المريخ ، وهي أبعد ما تكون عن الدين ؟ . وكعادتنا في التعليب يأتي الجواب المركّز : لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ! . وهذا ما يجعلك تسلم رأسك لوسادة عريضة من ريش النعام أو الدجاج وتنام ، وربما تملأ الفضاء شخيرا وفي المفهوم المتخلّف أنّ هؤلاء الآخرين عبيد عندنا ، سخرهم الخالق عز وجل لخدمتنا . لا بد وأن العقل الإسلامي أصيب بلوثة ، وهو الذي كان عقلا مستنيرا في عصور خلت . حتى أن بعض الفقهاء الأقدمين ( مدرسة الإمام أبي حنيفة ) أوجدوا ما يسمى " الفقه الافتراضي " لمسائل لم تقع في عهدهم لكنها ممكنة الحدوث في عصور تالية أي أن هناك قراءة للمستقبل .
والحقيقة أن أسباب تخلّف المسلمين كثيرة ، لكني سأشير لأخطرها . فحين قام عباس بن فرناس بتجربته الفريدة وطار ثم سقط وتهشمت عظامه انشغل المسلمون وتساءلوا وإلى اليوم : هل مات شهيدا أم منتحرا ؟! . وفي المقابل تساءل الغرب : هل بإمكاننا أن نطير ؟ . والثابت أن ابن فرناس لم يمت في تلك الواقعة ، ولم يكن مغامرا مهووسا ، بل قام بتجربته عن علم ودراسة في محاولة لفهم آلية الطيران ، حيث كان عالما رياضيا فلكيا طبيبا شاعرا موسيقيا مخترعا ( شخصية متعددة المواهب ) . ومع أن تجربته كانت محاولة أولى لتحقيق حلم ، إلا أنها قوبلت بالسخرية والتهكم ، وقد جاءت تلك السخرية على لسان الشاعر مؤمن بن سعيد حيث قال :
بطم على العنقاء في طيرانها ... إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم
والحقيقة أن ابن فرناس واجه ما هو أخطر من السخرية ، ذلك حين اتهموه بالزّندقة ، وهو السّلاح الفتّاك الذي قتل العقل الإسلامي ، وكان السبب في تخلف الأمة . حيث أثار ما كان يقوم به ابن فرناس من تجارب علمية ومبتكرات ميكانيكية نفراً قد أشكل فهمهم من الجَهَلة أو الحسَّاد أو المتعجلين ، فشكوه إلى القاضي : سليمان بن الأَسْوَد الغافقي . وقد عُقِدت على عباس بن فرناس وثيقة " الزندقة " وأن ابن فرناس يمارس السحر والشعوذة وهي أُحْموقاتٍ من شهودٍ جهلاء، كشفها القاضي ، فلم يَجِدْ إلى عقابه سبيلاً .وكان مما قاله ابنُ فرناس للذين اتهموه بأعماله : " لو أتيت بالطحين ووضعته بالماء وعجنته ، ليكون منه العجين ، ووضعته على النار في التنور ليصبح خبزاً ، وهو مختلف الحال ، أيكون ذلك مُحَرّماً أم لنفع الناس ؟ فقالوا: لنفع الناس . فقال: هذا ما أصنعه لأستخرج ما ينفع الناس". فحكم القاضي ببراءته .
لقد واجه الكثيرون من علماء الأمة هذه التهمة ( الزّندقة ) ، فمنهم من حوصر ومنهم من أحرقت كتبه مثل " ابن رشد " ومنهم من قتل ومنهم من جلد أو طرد ، لأنه خالف الثقافة السائدة في عصره .. وهي لوثة أصابت العقل الإسلامي . وهناك منتفعون من هذه اللوثة ، فمارسوا تجهيل الأمة عبر العصور ، وذلك بمحاربة الفكر والإبداع . بينما احتوت الأمم الأخرى أصحاب العقول ولم يسألوا عن أجناسهم ولا عقائدهم ولا مذاهبهم ، وإنما سألوا عن عقولهم المفكرة المبتكرة ، ووفروا لهم كل سبل الدعم والمساندة . لذلك نجحوا وأصبحت لهم قوة وهيبة ومنعة . أما المسلمون ، فقد قتلوا العقل بأسلحة البدعة وسد الذرائع والزندقة !(ثلاثية التخلّف) وكلامي هنا عن العلوم الدنيوية من مخترعات ومكتشفات .. وأما ما يتعلق بأمور الدين فالأمر واضح .. فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أخرجه البخاري ومسلم .
بواسطة : شتيوي العطوي
 6  0