×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

أين المفتّش ؟
شتيوي العطوي

في إحدى الليالي كنّا ثلاثة نفر عند أحد الأصحاب ، فقدم إلينا القهوة والشاي .. وبما أننا جياع فقد كنا نطمع في وجبة عشاء على حساب صاحبنا . لكن صاحبنا كان من المطنشين ، ولم يرد للعشاء ذكر على لسانه . وبما أنّ التعليلة لا يمكن أن يستقيم ليلها على بطون ضامرة . وأنّ السواليف وفتح ملفات عباد الله الغافلين تحتاج لحرق الكثير من البروتينات والكربوهيدرات . لذلك تآمرنا على صاحبنا في غيبة منه حين دخل لقضاء بعض شأنه . فقال كبيرنا : نلعب لعبة " حاكم جلاد " ونكتب في جميع الأوراق كلمة " لص " . أي أن اللصوصية سترافق صاحبنا في كل مرة . فجاء صاحبنا وطرحنا عليه الفكرة ، وأن من يكتشف المفتش أنه " لص " فإنه يجلد في كل مرة وبعد الجلدة الخامسة يأتي بعشاء على حسابه ، فوافق صاحبنا ونثرنا الأوراق . فقال كبيرنا ( الحاكم ) : أين المفتش ؟ فقال من كان عن يميني : يا حضرتي ! . فقال له الحاكم : أخرج لصّك !. فكان صاحبنا بحسب المؤامرة لصّا في ثلاث مرات متتابعات . وفي الجولة الرابعة أصاب صاحبنا الشك ، فجمع الأوراق ووضعها في حجره ، وأخذ يفتحها ورقة ورقة وإذا هي جميعها " لص " ، فقام وأغلق علينا الباب وتناول " العقال " وأوسعنا ضربا .
وفي هذه اللعبة تقع العقوبة على اللص وعلى المفتش إن لم يكتشف اللص . والجلاد ينفذ أمر الحاكم . والحاكم دوما يخاطب المفتش وبصوت عال : أين المفتش ؟
وحين كنا نلعب هذه اللعبة ونحن صغارا كان الواحد منا إذا وقعت في يده الورقة التي تحمل كلمة " لص " فإنه يتغير وجه ويختل توازنه ، وكأنه يقول للمفتش : أنا اللص ! . ورقه غير صادقة في لعبة عابرة تحدث أثرا في نفوسنا . لكننا اليوم في عالم نرى ونقرأ ونسمع عن الكثير من الأوراق التي تحوي الآلاف بل الملايين والمليارات بين أيدي لصوص حقيقيين ومع ذلك لا تتمعر وجوههم ولا يختل توازنهم وتراهم يبتسمون بل ويقهقهون ، حتى غدت اللصوصية تاجا على رؤوس بعض الأغنياء ، فكان البعض منهم يبدو من المحسنين . يسرق فيتصدق ! . والحقيقة أنه يتصدق لكي يسرق أكثر ، فيشرف بلقب " المحسن الكبير " ! . وقد كشف لنا ما يسمّى " الربيع العربي " عن ربيع اللصوص .. الذين ربّعوا على حساب شعوبهم .. وحين سقطت بعض الأنظمة هرب اللصوص وتفرقوا في الآفاق بحيث لا تطالهم يد عدالة اللصوص الذين سيأتون من بعدهم . فكشف لنا الربيع البئيس وبحسب تعبيرات أهل السودان بأن الحاكم هو " اللص زاتو " . وفخامة " زاتو " يلهف من بلد فقير ( ستين مليار ) والله لو كانت " حصى " لتغيرت جغرافية ذلك البلد ومعالمه . فهل يعقل أن يأتي من يقول في عالم تحكمه اللصوصية : أين المفتش ؟!
والسلام
بواسطة : شتيوي العطوي
 3  0