×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
نورة الرواضين

بتقصير الأمانة أو بقصورها.. المأساة مستمرة!
نورة الرواضين

في البداية نقدم أصدق التعازي لذوي معلمة الثانوية الفقيدة التي فجع طالباتها و عائلتها بوفاتها دهساً بينما كانت تعبر الطريق الفاصل بين مجمعي الحكير و تبوك بارك التجاريين. حدثت المأساة ليلة العشرين من هذا الشهر الفضيل, و إنا لله و إنا إليه راجعون.

والعجيب أني كنت قد أشرت لخطر هذا الموقع بالتحديد و في هذه الجريدة بالذات قبل نحو أربعة أشهر ( المقال بالرابط أدناه), و قد أوردت هذا الموقع كأحد أوضح الأمثلة لعدم إيلاء الأمانة أي اهتمام لمعابر و ممرات المشاة, فعندما ينتصب مجمعان تجاريان كبيران في مواجهة بعضهما لا يفصلهما سوى شارع فإن كثافة حركة المشاة بينهما ستكون إحدى أوضح سمات المكان. و لن يتخيل شخص أن تتصل عائلة بسائق لينقلها أمتار معدودة من أحد المجمعين إلى الآخر في الجهة المقابلة, و أكاد أجزم أن هذا ما حدث مع المعلمة الفقيدة رحمها الله تعالى.

ومن المؤكد أنه سيأتي من يقول أن هذا في النهاية قضاء الله سبحانه و قدره, و نحن جميعاً- كوننا مجتمع مسلم نؤمن بذلك بلا شك, لكن مبدأ الإيمان بالقضاء و القدر لا يلغي مبدأ المحاسبة على التقصير (إن وُجد) خصوصاً إن كان قد تم لفت انتباه المقصِّر من قبل و تنبيهه على موضع الخطأ, و هو ما تم بالفعل من جهتنا في حق أمانة تبوك من خلال مقالنا الآنف الذكر و الذي لم يجد أي رد أو تفاعل من قبل الأمانة رغم كثرة ردود القراء من أهل تبوك وتفاعلهم مع الموضوع ... أحد الزملاء فسّر عدم ردهم بأنهم لا يملكون الرد أصلاً, و إن صدق صاحبي فإن هذا سيضع الأمانة في خانة القصور لا التقصير, و الفرق كبير بين الحالتين, فالتقصير سببه خطأ في أسلوب و منهجية العمل رغم وجود الكفائة, أما القصور فسببه غياب الكفائة نفسها, و علاجة لا يكون إلاّ بإجراء تغيير جوهري يطال الأطقم الفنية و الإدارية من صناع القرار.

شخصياً .. مازلت أرجح أن يكون الأمر تقصيرا و ليس قصوراً, فالكفاءات في الأمانة موجودة على الأرجح,و يدل على ذلك الوتيرة المتسارعة للأعمال المنجزة خلال السنين القليلة الماضية (على الأقل قياساً ببعض مناطق المملكة الأخرى), لكن المشكلة تكمن في منهجية صناع القرار بالأمانة و قناعاتهم, مما يضعهم في خانة التقصير رغم تلك المنجزات, فهم مثلاً- نجحوا في عمل ممشى رائع و فعّال أصبح معلماً جميلاً لتبوك, إلاّ أن ذلك - من جهة أخرى - يعكس قناعتهم الخاطئة بأن المشي هو للرياضة و الترف و ليس للحاجة, لذا غابت ممرات ومعابر المشاة عن المخطط الشامل للمدينة ( Master Plan), علماً أن حركة المشاة و مساراتها تحتل دائماً الصدارة في سلم الأولويات في علم التخطيط الحضري (Urban Planning), و هو بالإضافة لعلم هندسة المرور يشكَل الأساس العلمي الذي يقوم عليه المخطط العام لأي مدينة.

إن تلك الأهمية الجوهرية لحركة المشاة لا تعني عمل حلول موضعية و جراحية بإنشاء جسور مشاة و معابر هنا و هناك لإسكات الناس (و هو على الأرجح ما سوف تقوم به الأمانة), لكن أهمية حركة المشاة يجب أن تتبلور بإيجاد شبكة متكاملة من الممرات و المعابر تغطّي كامل المدينة بحيث يكون الشخص قادرا على التحرك مشياً إلى أي مكان فيها مهما قرب أو بعد في سلاسة و أمان تامّين, و هذا ما يوجبه علم التخطيط الحضري, و ما تطبّقه دول العالم المتحضّر عمرانياً, تلك الدول التي نُعتبَر نحن بمواردنا المالية أغنى من نصفها على الأقل.

ونحن كمجتمع- للأسف- لا نشعر بفداحة المشكلة إلاّ بعدد الضحايا, و رغم تحقيقنا رقماً قياسيّاً في عدد الوفيات و المصابين الذين يتساقطون بشكل إسبوعي بتبوك إلاّ أننا يجب أن لا نغفل أيضاً الرعب الذي يتعرض له المشاة و قائدو المركبات على مدار الساعة في شوارع المدينة, و هذا يؤثّر بشكل كبير على ما يسمى (جودة الحياة) بالمدينة, و هي إحدى الأسس المهمة التي تؤخذ بالحسبان عند تخطيط المدن.

ورغم كل تلك الحقائق الحاسمة فإن الأمانة تسير قُدماً في الإتجاه المعاكس, فهي تزيل الأرصفة وتقيم الحواجز الخرسانية مكانها (صبات النيوجيرسي), قاطعةً بذلك الأمل في عمل شبكة المشاة و ممراتها لتقتصر الحلول (إن عُمِلت) على جسور المشاة و التي تعتبر- رغم كونها إحدى الحلول إلاّ إنها أسوأها و أقلها فاعلية, و لا تصلح إلا في ظروف و أماكن محدودة (قد يكون أحدها المعبر بين مجمعي الحكير و تبوك بارك بسبب انحدار المركبات من الجسر القريب المقام حديثاً).

هندسيّاً ؛ المفترض أن تكون شبكة المشاة أرضية ممتدة على كامل مساحة التجمعات الحضرية بالمدينة ومرادفة لشوارع المركبات بحيث تتمتع بوجود معابر مدروسة على مسافات كافية بامتداد المحاور الرئيسية لحركة السيارات, و تزوَّد هذه المعابر بإشارات ضوئية تعمل بطلب من المشاة ( زر يضغط عليه المشاة) و يراعي ذلك الإنسياب و التناغم الزمني لحركتي المشاة و المركبات, و هي وسيلة رخيصة و فعالة و مطبقة في كل دول العالم المتحضّرة. أما الشوارع الداخلية بطيئة السرعة فيُكتفى بعمل ممرات مخططة في الزوايا و الأركان دون عمل إشارات ضوئية حيث أن الأولوية نظاماً تكون دائماً للمشاة.

إن غياب مثل تلك البدهيات الأساسية في علم التخطيط الحضري عن صناع القرار بالأمانة يجعلنا نعيد عليهم السؤال المُلح : فهل الأمر تقصير (منهم), أو هو قصور (فيهم), و في الحالتين النتيجة واحدة و هي مزيد من النعوش و الألم في شوارعنا البائسة, جنّبنا الله و إياكم مآسيها.

م / عبد الله أحمد الحويطي
قسم التقنية المدنية والمعمارية
الكلية التقنية بتبوك

رابط المقال المشار إليه http://www.sada-tabuk.com/articles-a...ow-id-1411.htm
بواسطة : نورة الرواضين
 6  0