×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله بن كريم العطوي

حتى لا تكون الوطنية كائن هلامي
عبدالله بن كريم العطوي

الوطنية هي حب "الوطن " وحب الوطن من الايمان ، فإذا حب الانسان وطنه نتيجة إدراك ناضج ، وفهم متبصر ، وتصرف في ضوء ما يوحي به ذلك الإدراك ، وما يؤدي إليه ذلك الفهم ، فإنه يصبح سعيدا غاية السعادة ، وإذا كثر المدركون للوطنية في هذا الإيطار سعد المجتمع الذي يعيش فيه هذا الفرد.

لقد استقر تراث الإسلام على اعتبار الوطنية بأنها المشاعر التي ترتبط بروابط الحب بين الانسان ووطنه . وإنها فطرة فطر الله عليها الانسان ، فكانت العرب إذا غزت ، آو سافرت حملت معها من تربة بلادها رملا ، وعفرا تستنشقه.

وقد عرفت اللغة العربية وتراثها الشعري والنثري مصطلح "الوطن" منذ فجر هذا التراث.

وقد لفت القرآن الأنظار إلى أن العربية تعبر عن الوطن أيضا بمصطلح "الديار" فقال تعالى :{فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين }.

والمواطنة : إنتماء وموالاة لعقيدة وقيم ومبادئ ، إنتماء تغمره أحاسيس العزة ، ويكلله غار الفخار ، وموالاة تعكسها سمات التضحية ، وتترجمها معاني الايثار .

والمواطنة التزام أخلاقي تفرضه العقيدة ويتعايش معه الفرد وتعيشه الجماعة ، المواطنة هي حياة الفرد ، هي ضميره الذي يشكل جزء منه شخصيته وتكوينه.

ومساحة الوطن التي يعيش عليها الانسان هي جزء منه وهو جزء مكون لها ،هي تقوم بدور في بقاء هذا الانسان خادما لقومه ، بانيا لحضارتهم ، وإن شق عليه ظلمهم أو تخلفهم إن ذلك الحس الوطني هو الذي يجعل الانسان يردد : قول ابن الرومي ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا )

وهو الإحساس نفسه الذي يجعله يتبع هذا القول بالعمل الجاد والمضني من أجل الوطن حتى يستحق بجدارة نعمة العيش في ظلاله.

إن التربية الواعية للمواطن يجب أن تنطلق وترتبط بشحذ الفعالية الروحية في الانسان ، كي تبث فيه الأشواق الروحية ، وتدعم إنتمائه بصدق ووعي ؛ ذلك الإنتماء الذي يجعله يضحي بكل غالي ونفيس في سبيل العقيدة والوطن .

والانسان الامنتمي هو انسان ضائع يتخبط مهما كانت ثقافته ، أو المحيط الحضاري الذي يعيش فيه ، هو ذلك الانسان الذي يهرب من الخدمة العامة ، وأداء الواجب لأنه فقد ارتباطه بقيم الوطن ، فقد قبلها قيمه الروحي.

المواطنة الصادقة هي افتخار ، واعتزاز بوصفها صورة من صور الانتماء الجمعي على الصعيد الانساني بشموله.

أما ادعاء الوطنية في سبيل مصلحة ذاتية فهو صورة من أبشع صور الانتهازية ، التي لا يمر يوم من أيام العرب الآن دون أن تعلق على جدار الخيانة صورة جديدة منها مؤطرة بإيطار ذهبي جميل لتحيل أرضية الوطنية إلى أرض موحلة ، وهكذا تكون مفردة الوطنية معبأة بحزمة من المفاهيم المضادة تماما للقيم الانسانية النبيلة .

إذا الوطنية هي ذلك الكائن الحي الذي يدعي حبه الجميع ، إن نجحوا فدافعهم في النجاح الوطنية ليس إلا .وإن اخفقوا فعزاءهم في الخطأ الوطنية ليس إلا .

فإذا أردت أن تمتحن وطنية انسان ما فعرضه إلى لهيب الغربة ، سواء غربة المكان أو غربة التمكين ، فإن أبانت لك نار الغربة في نفسه معدنا أصيلا ، يستصعي على الانصهار في رماد الاغتراب فتلك هي سبائك الوطنية ، التي هي حب الانسان لوطنه الذي عاش في كنفه ورغبته في خيره ونفعه أكثر من غيره ، وحنينه إليه إذا ابتعد عنه ، وميله إلى الاهتمام به وإلى أناسه إذا كان خارجه .

إن للمواطنة شروطا لابد من تحقيقها ، وهي محبة الوطن ، والغيرة عليه ، والتضحية في سبيله ، والدفاع عنه ، ومراقبة الله في العلاقة بين أطراف المواطنة الأربعة .

الوطن ، والمواطن ، والمواطن الآخر ، والعالم من حوله . وإذا استطعنا أن نحقق هذه الشروط في المواطنة على اختلاف مفهومها ، فإن المواطنة الصالحة سينتج عنها تحقيق العدالة بين المواطنين . وحب الوطن ، ورفع الظلم عن المواطنين في أي مجال من مجالات علاقتهم بهذه المواطنة لينطبق عليهم وعد الله {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض }

ولم تمثل الوطنية مشكلة للمملكة العربية السعودية منذ نشأتها وحتى الآن، لأنها موضوعة في إطارها الصحيح ، حيث يتماهى الوطن بالدين في المملكة في العناصر الثلاث التي تمثل رمزية الوطن .

ـ المنهج والتقاليد : حيث تتبنى المملكة شريعة الاسلام منهجا لها ، وتأخذ بآدابه في نمطها الاجتماعي .

ـ الناس: حيث يتحد الولاء لديهم ، فهم جميعا مسلمون وأبناء الوطن في الوقت نفسه .

ـ الموقع الجغرافي من حيثية كونها بلاد تحكم شريعة الله فيصدق عليها تماما أنها دار الاسلام ، وكونها بلاد الحرمين ومهبط الاسلام ، ومثوى نبيه .

ولهذا يدرك من يعايش المجتمع السعودي أو يدرسه ، أن الإسلام والوطنية ممتزجان ، وإن المخل بشيء من لوازم الوطنية إنما حدث له ذلك نتيجة ضعف التزامه الإسلامي ، وإنه لا يتنكر للإسلام إلا خائن لوطنه غاش لمجتمعه .





عضو مجلس المنطقة

اللواء متقاعد

عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي
بواسطة : عبدالله بن كريم العطوي
 26  0