×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
ريم الجوفي

رقــــم
ريم الجوفي

رقــــم

وقف بانتشاء وشموخ على خشبة المسرح في قاعةٍ مكتظةٍ بعددٍ من المثقفين .. همس للجميع بتحذير "لاتكن رقماً" ، ذلك الرمز بين قومه غاب عن ذهنه أنه في تلك اللحظة تحديداً كان مرهوناً للأرقام نفسها.. خاضعاً لإعجابها به .. يفكر كثيراً " بعد أن أفرغ من طرحي كم عدد الأرقام التي ستصفق لي ؟ بل كم ثانية سيستمر تصفيقهم إن كان حديثي قد أبهرهم ؟"

في ذات القاعة حين تطرق مشاري لرواية " المعطف " تذكرت اللحظة التي تألمت فيها عند قراءة الجزء الأكثر وجعاً حين رهن "آكاكي فيتش "ستة أشهر من عمره بدون وجبة العشاء أو شراء حذاء جديد حتى يجمع ستين روبيلاً لتفصيل معطف جديد .. بل إن دوستويفسكي _صاحب أعظم روايةٍ كُتبت على الإطلاق كماصنفها فرويد_ لم يطعنه شيء سوى الأرقام ..عند تتبع سيرة هذا الكاتب الإستثنائي عالمياً ستجد أن سنوات عمره مضت رعباً من دخول السجن لأن الرقم الذي في جيبه لم يكن أكبر من الصفر قليلاً فهو الذي قال حين أفلس :"كيف أقبل على التأليف وأنا أعاني الجوع ؟ وقد اضطررت إلى رهن سراويلي للحصول على ثمن البرقية " .. استلف من أشخاص كانوا بالنسبة له أرقاماً ..لقد طمست الأرقام في داخله جمال حروفه وأفكاره .. فصار النعيم لقرائه الأغنياء والجحيم لمسلّيهم

‏ليتنا أدركنا صفرية الكون ياياسمين ولكننا ملأنا ذلك الصفر الكبير بأرقامنا المحرقة فأصبحت حياتنا مرهونةً للندم على لحظةٍ فاتت أو الخوف من أخرى قادمة . حتى من يعتقد أنه الأفضل هو عبد لرغبة ملحّة في أن يصبح ( رقم واحد ) .

الكل مشغول بالأرقام .. كم لديك في البنك وكم ستسحب من الصرافة ؟ .. حتى سعادتك في عيد ميلادك منقوصة حين تفكر في عدد الأشخاص الذين ستدعوهم وكم من الأطباق سيكفي لذلك ؟ .. كم درجة ستنقصني في الإختبار فيحدد مصيري واختياري ؟

حتى قيمة الحب صارت مرهونة لعدد المتابعين لك في فضاء تويتر وسناب شات ! .. لست أختلف كثيراً عن صاحبنا الذي حذرنا ألاّ نكون أرقاماً .. سأنزل بلهفة أسفل الصفحة لمعرفة عدد الذين قرأوا مقالي دون التأكد هل أعجبهم أم لا ! التحذير الأهم سيكون / لاتكن عبداً للأرقام .

ريم الجوفي
بواسطة : ريم الجوفي
 16  0