×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
فادي عيد

بكاء الإخوان على عملاء طهران
فادي عيد

الكثيرون تعجبوا من خروج العديد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين فى شاشات التلفزيون و على القنوات الإيرانية ، و هم يبكون مقتل نمر باقر النمر، و ما تلاه من ردود فعل حركة حماس من تأييد كامل للسياسة الإيرانية بالمنطقة بعد تنفيذ إعدام الإرهابيين بالمملكة العربية السعودية، كما هو نفس حالة التعجب و الدهشة التى أصابتهم بعد أن صدقوا تصريحات قادة إيران و هتافات ملاليهم و تهديدات حرسهم الثوري للولايات المتحدة و إسرائيل و الغرب ، و ربما للأرض كلها !!
و بعد الاتفاق النووي أصاب هولاء الطيبون بصدمة كبيرة ، و حالة من من عدم استيعاب المشهد، قبل أن تأتيهم أولى الصدمات من العلاقة المريبة التى ظهرت للعلن بين نظام الخميني و جماعة الاخوان المسلمين التى تصدرت المشهد السياسي بالشرق الأوسط بعد ما سمي بالربيع العربي!
فإذا كان فبراير 1979م حمل مشهد اعتلاء المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الأسبق الخميني حكم البلاد ، بعد هبوط طائرته بمطار طهران قادما من باريس ، لكي تلحق طائرة تحمل كوكبة من قيادات التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين ، ثم تمر الأعوام و يأتى الجمعة 4 فبراير 2011م لكي يعتلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي علي خامئني منبر الصلاة ، و يخطب للمرة الأولى باللغة العربية ، و يخصص كل حديثه لأبناء جماعة الاخوان المسلمين فى مصر و تونس و باقى بلاد العرب ، و يطالبهم بأن يثوروا على حكامهم لكي يضفى حالة من الدهشة على الرأي العام الذى تعجب ذلك المشهد المتناقض فى نظره!!
فعلينا الآن أن نسلط الضوء على ما كان يدور فى الكواليس منذ فبراير1979م و ما قبله و حتى فبراير 2011م و ما بعده .

فقبل أن تتقابل التواريخ كانت الأفكار تتلاقى بين منظري و فلاسفة جماعة الإخوان و نظرائهم بأيران، فبكتاب " فلسفتنا " لسيد قطب 1959م يتجلى التأثر القوي بفكر مؤسس حزب الدعوة العراقي، و من أفتى بحرمة الانضمام لحزب البعث ، و أبرز علماء الشيعة وقتها ألا و هو محمد باقر الصدر، و بالتزامن و بمباركة المرجع الشيعي محسن حكيم أصبح لجماعة الإخوان فرعاً بأرض العراق تحت مسمى الحزب الإسلامي العراقي !
و في عام 1966م ترجم الخميني كتب عديدة لسيد قطب للغة الفارسية من أبرزها :
كتاب " المستقبل لهذا الدين " و في مقدمة هذا الكتاب وصف الخميني سيد قطب بالمفكر المجاهد ، الذي أثبت في كتابه أن العالم سيتَّجه نحو رسالتنا، و نفس ما حملته تلك الرسالة و مضمون ذلك الكتاب تكرر الأمر بكتاب " أمتنا بين قرنين " ليوسف القرضاوي الذى وصف فيه ثورة الخميني بأنها صحوة إسلامية و انتصار للإسلام فيقول القرضاوي بكتابه " لقد أقام الخميني دولة للإسلام في إيران وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية في العالم و انبعاث الأمل فيها بالنصر " .
و يعد كتاب " فى ظلال القران " لسيد قطب من أكثر الكتب انتشارا و تأثيرا فى الشعب الإيراني بذلك الوقت .

و إذا كان قد جاء اللقاء الأول بين الخميني و قيادات جماعة الإخوان في باريس ، بعد أن تولى أبو الحسن بني صدر ( الرئيس الاول لإيران بعد الثورة ) ترتيب تلك اللقاءات ، فجائت باقي اللقاءات في طهران، و كانت أبرز الوجوه الإخوانية التى التقت بالخميني التونسي راشد الخريجي الغنوشي، و عبد الرحمن خليفة مراقب الإخوان المسلمين بالأردن، و جابر رزق ممثلا عن إخوان مصر، و سعيد حوي ممثلا عن إخوان سوريا، و غالب همت من إخوان سوريا، و عبد الله سليمان العقيل ممثلا عن إخوان السعودية، و أخيرا و ليس آخراً .. المصري يوسف ندا مفوض العلاقات السياسية الدولية لجماعة الإخوان ، و الذى كان أحد أهم حلقات الاتصال بين دائرة الخميني و جماعة الإخوان من خلال علاقته بضابط استخبارات إيراني أرسلته طهران لمدينة لوجانو السويسرية حيث يقيم يوسف ندا، كذلك كان من أهم حلقات الاتصال بين الطرفين كلا من إبراهيم يزدي المقيم بالولايات المتحدة، و بهشتي المقيم بهامبورج الألمانية، و خسرو شاهي الذى أصبح فيما بعد سفيراً لإيران لدى مصر، و أثناء تهنئة وفد الإخوان للخميني بثورته ، عرض الوفد على الخميني مبايعته كخليفة للمسلمين ، بعد أن يوضح الخميني لجموع المسلمين سنة و شيعة بأن الخلاف على الإمامة في عهد الصحابة كان خلافاً سياسياً بعيداً كل البعد عن الخلاف العقائدي و الديني و حينها صمت الخميني و نحى ذلك الموضوع جانبا قبل أن يعلن فى دستور إيران بأن المذهب الجعفري هو المذهب الرسمي للدولة و ولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب !

و نتيجة للعمل المشترك بين الخميني و جماعة الإخوان منذ البداية و لتأثر الإخوان بالمذهب الشيعي بوجه عام منذ تأسيس الجماعة ، حيث كان آيه الله كاشاني أبرز المرشحين لقيادة الجماعة خلفا لمؤسسها بعد مقتل حسن البنا، و بعام 1948م كان المرجع الشيعي تقي الدين القمي أبرز ضيوف المركز العام لجماعة الإخوان في القاهرة ، و كان من أكثر الشخصيات التى تأثر بها حسن البنا ، أمر مرشد الثورة الاسلامية بأصدار طوابع بريد تحمل صور حسن البنا و سيد قطب .

و التقارب بين الإخوان و نظام الخميني لم يكن فكريا فقط .. بل و عسكريا أيضا ، و تجلى هذا بتأثر الإخوان بحركة فدائي الإسلام الإيرانية المعارضة لنظام الشاه و زعيمها مجبتي مير لوحي المعروف باسم نواب صفوي ، و الذى يربطه بجماعة الإخوان تاريخ طويل و حافل بالأحداث الهامة، فكانت زيارات صفوي للقاهرة تصطحب استقبال حافل من أبناء جماعة الإخوان ، و حتى أثناء زياراته لمراقد أهل البيت ، و كثيرا ما هاجم صفوي الزعيم جمال عبد الناصر الذى أطلق مسمى الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي بحكم أن العرب يسكنون شطي الخليج، و عندما قال راشد الغنوشي بأن حركة فدائي الإسلام امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، رد عليه نواب صفوي قائلا : من أراد أن يكون جعفريا على حق فلينضم لجماعة الاخوان المسلمين !!
و بعد إعدام نواب صفوي نعاه المرشد الرابع للجماعة محمد حامد أبو النصر، واصفا صفوي بالزعيم الإيراني و شهيد الإسلام، و على نفس المنوال صار باقى قيادات الإخوان بمختلف أقطار التنظيم الدولي كاللبناني فتحي يكن و التونسي الغنوشي و غيرهم .

و بعد أن تبنت صحف الإخوان المسلمين كالدعوة و الاعتصام و المختار الاسلامي الانحياز لطهران و الهجوم على مصر و الرئيس أنور السادات خاصة بعد استقبال السادات لشاه إيران فى مصر، و بعد أن اطلقت طهران على أكبر شوارعها اسم الإرهابي خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري أنور السادات، صرح عمر التلمساني 16/12/1984 بمجلة الكرسنت الإسلامية التى تصدر بكندا و قال " لا أعرف أحدا من أبناء جماعة الإخوان المسلمين فى العالم يهاجم إيران " فى أشارة منه على وحدة الأهداف و الفكر التى تجمع جماعة الإخوان و نظام الخميني .
و بعد وفاة الخميني 4/6/1989 أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً قائلا " الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة " و بعد أن صار علي خامنئي المرشد الاعلى أصبحت أفكار سيد قطب و حسن البنا تدرس في مدارس الإعداد العقائدي الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، و مع حلول عواصف الربيع العربي بالمنطقة كانت ايران حاضرة بشكل مباشر على الارض و خلف الكواليس و عبر شاشات التلفزيون فبعد خطبة خامئني يوم الجمعة 4 فبراير 2011م ثم التصريحات المتتالية له عبر وكالات الأنباء التى حث فيها جماعة الإخوان على التقدم نحو السلطة ، صرح خامئني قبل إتمام المرحلة الثانية للانتخابات المصرية بين المعزول محمد مرسي و الفريق أحمد شفيق 2012م و قال نصا "على الشعب المصري أن يتخلص من فلول الديكتاتور لنصرة دين الله " فى إشارة مباشرة إلى تأييد مرشح الإخوان للرئاسة، و هى تصريحات لم تقل حماسة و توضيح لعمق العلاقة بين نظام أصولي و تنظيم أرهابي عن تصريح فتحى حماد وزير داخلية حماس يوم 31/5/2012 عندما قال " المصريون هبلان مش عارفين يديروا حالهم بيشتغلوا بناء على رؤيتنا إحنا، وراح نربطهم بإيران لأن اليوم زمنا إحنا وزمن الإخوان ومن سيقف في طريقنا راح ندوسه بلا رجعة "

فأذا كتب التاريخ يوم 11 فبراير 1979م وصول الخميني للسلطة و كتب نفس اليوم و الشهر و لكن بعام 2011م وصول حلفاء الخميني على مسرح الاحداث بمصر تمهيدا لاعتلاء الحكم لكي يرتفع سقف طموحات طهران وقتها تجاه الخليج بل و المنطقة كلها و حتى نواكشوط غربا بعد أن توهم الجميع أن كنانة الله سقطت فى جحيم المؤامرات جاء تاريخ 30 يونيو 2013م ليعيد معادلات التاريخ و الجغرافيا معا، و يكتب شهادة ميلاد جديدة لمصر العروبة التى وضعت حدود أمنها القومي من خليجنا العربي شرقا و حتى مغربنا العربي غربا على عاتقها و أولى اولوياتها، و بسبب هذا التاريخ الطويل المتشابك بين اخوان الخميني و ملالي مكتب الإرشاد لم أتعجب للحظة من هجوم إعلام الإخوان على البحرين بعد اعتبارها ائتلاف 14 فبراير و سرايا الاشتر ( صبيان الحرس الثوري بالبحرين ) تنظيمات ارهابية أو بعد وقف صدور صحيفة الوسط الشيعية، و هو نفس الأمر الذى تكرر فى الهجوم على الكويت و محاولة النيل من حاكمها صباح الأحمد جابر الصباح ، بعد الكشف عن خلايا الإرهاب التابعة لحزب الله و دفاع أقلام الإخوان عن حزب الله متناسين تاريخ حزب الله الإجرامي ضد الكويت، و إذا كان إعلام الإخوان لم يتردد فى الدفاع عن موقف إيران ضد دول الخليج، فهو لم يتأخر للحظة للوقيعة بين دول الخليج و بعضها و علاقاتها بمصر، و لكن ما كنت أتعجب له هو كيف بعد كل ذلك نرى دولاً عربية مترددة فى أن تضع جماعة الإخوان في خانة التنظيم الإرهابي ؟؟
و أن تعطي أذنها لمن يدير ذلك التنظيم الدولي من الخارج و من كان كل تاريخه حقدا على العرب و طعنا فى العروبة ؟

فاليوم المملكة العربية السعودية تصدر حكم الإعدام ضد إرهابيين سعوديين فما دخل ايران إذا ؟
و إلى متى يظل قادة إيران يهتفون ضد الغرب و يبثون سمومهم ضدنا نحن العرب ؟
فى كل الاحوال أرى أن عام 2016م سيحمل الكثير من الإجابات الحاسمة لتلك الأسئلة .

فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط

fady.world86@gmail.com
بواسطة : فادي عيد
 6  0