×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عوده الحويطي

تناقض
عوده الحويطي

أبوه ضل طريقه إلى الشام، أما هو فيدور في الشوارع ضائع تائه غير مبال بشيء والأغاني الشامية تصدح بأعلى صوت.
وقفت أتأمل هذا المشهد المتناقض تماماً، فلا وسطية بينهما، فالأب متطرف في جهة والابن متطرف هو الأخر في الجهة المقابلة في الوقت نفسه وبينهما فجوة عميقة.
هذا المشهد أصبح ليس غريباً على مجتمعنا، فلا يكاد يمر يوم إلا وترى نوع من أنواع التناقض التي يزخر بها واقعنا الحياتي.
فتجد أحدهم يتلفع برداء الدين ولا يسمع الأغاني وينهى عن المنكر ، ولكنه في المجالس يأكل لحم أخيه نميمة، وتجد أخر عندما يسافر للخارج يجتهد في اختيار الأكل الحلال ويحذر الوقوع في الأكل المحرم ويتأكد مئة بالمائة أن الأكل خالٍ من لحم الخنزير ومشتقاته، ولكنه يشرب الخمر بأنواعه المختلفة، وفي الخارج أيضاً الكثير من الشعوب ينظرون إلى الإنسان السعودي على أنه حفيد الصحابة ولكنهم يفاجأون عندما يجدون ذلك الحفيد في المراقص والملاهي الليلة يعاقر الخمر ويراقص القانيات.
وتجد إحداهن تسب وتلعن أبناء الجيران عديمي التربية وتصبح مُنظرة تربوية من الطراز الأول وأبناؤها "هايتين" في الشوارع والأسواق ولا تعلم عنهم شيئاً، وأخرى تتفنن في عرض صور الأكل على وسائل التواصل الإجتماعي في حين أن زوجها وأبناءها يأكلون قوت يومهم من أيدي الخادمة أو من المطاعم.
وفي الإستراحات والمجالس تجد أحدهم يُطرب مسامعك بأهمية الإلتزام بالعمل ويتذمر من خدمة بعض موظفي الدوائر الحكومية ويعيب عليهم كسلهم وعدم أهتمامهم بإنهاء إجراءات المراجعين، بينما في الصباح يأتي لعمله متأخراً، ويجلس في مكتبه نزقاً، ثم يخرج ويعود، ثم يخرج ولا يعود ومعاملات المراجعين تتكوم يوم إثر يوم على مكتبه.

يبدو أننا أصبحنا نقبل التناقض ونسمح للأخرين بممارسته أمامنا بل وعلينا، في حين أنه يجب علينا رفضه ونبذة جملة وتفصيلا، ويبدو أن هناك فجوة بين الواقع والمزاعم، وهذه الفجوة تزداد كل يوم في الإتساع مع وسائل التواصل الإجتماعي، حتى تجد أن الكثيرين اقتربوا من مرحلة انفصام الشخصية، ففي مواقع التواصل شخصية تقترب من المثالية وفي الواقع شخصية تقترب من الرجعية!
يبدو أن الامر أصبح ظاهرة، وهذه الظاهرة بحاجة إلى البحث والدراسة لمعرفة الأسباب والدوافع والخروج بتوصيات تفيد في إيقاف إتساع فجوة التناقض والإنفصام.
بواسطة : عوده الحويطي
 7  0