×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور مسعد العطوي

قصة قصيرة" الغريبة"
الدكتور مسعد العطوي

كنت مغرما بالرحلات وتأمل الطبيعة وآثار البشر، فأقف عند الجبال، والحجارات الضخمة، والكهوف الكبيرة، لعلى أجد صوراً أو كتابات، وذات يوم وأنا أمتطي سيارتي المعدة للسفر وعزمت على أن آتي الكهوف قرب (القليبة) لأنها انغرست في ذاكرتي بعد رحلة مع الأصدقاء، فأقبلت على الغار حتى وقفت بالسيارة؛ فإذا غنيمات بين الرتيمات تنتقل من شجرة إلى شجرة؛ فقلت: هذا راع من الرعاة فقد تحضرت الراعيات، ولم يبق إلا العمالة؛ فقلت: لعله يأتي ليحادثني وإذا به يطل عن قرب متشح بالثياب السوداء ولا غرابة في ذلك، فالرعاة يميلون إلى السواد حتى لا تظهر على ثيابهم آثار القدم والبلى، وأخذ يقترب مني وأنا مشغول بالقهوة المعدة المحمولة، حتى دنا وأنا أرحب به، ثم رفعت نظري إليه؛ فإذا الوجه أسود، وإذا الحاجب متهدل، وإذا الوجه متجعد، كأنه الشعاب.
فقال: أتناولني كأساً من الماء لقد أخذ الظمأ والعناء مني مآخذ قاتلة؛ فقلت: خذها ولا تكثر منها وأشرب متدرجا؛ فأخذها وأخذ يتناولها على فترات متقطعة؛ فقلت: كيف استطعت أن تصبر حتى لا تعبها عبا، ولا تشرب شرب الهيم؛ فقال: أنا في تلك البادية منذ زمن طويل وعندي خبرة بالظمأ والسغب، ولم أعهد هذه اللغة، فهل أنت من الحضر؛
قلت: نعم ؛ فقال: هذه تعليم أم طبع؛ قلت: بل تعليم، ثم أردفتُ وأنا لم أعهد هذه الفصاحة عن الرعاة ولا عند الأعراب وهم قبيلتي؛ فقال:يا بني إنني أخذت زمننا وأنا أتحدث بالفصحى وكنا نحفظ القرآن يوم كنا صبايا، فذهلت ؛ قلت: إذن أنت امرأة ؛
قالت: وهل تظنني غير ذلك؛ فقلت: صوتك أضحى جهوري ووجهك لم أتبينه، ولكن متى تعلمتِ اللغة، وحفظت القرآن ؛ قالت: أمّا اللغة، فهي وليدة الأسرة والقبيلة، وأمّا القرآن؛ فكانت الأجيال الأولى يحفظن ولا يقرأن؛ فقلت: أنت من التراث وأين كانت المنازل ومن أي القبائل المنقرضة؛ قالت:لم تنقرض، وإنما تفرقت إلى شعوب، وقبائل وهاجر بعضها إلى الشرق والشمال؛ قالت: أستأذنك لقد طال مكث غنمي في هذا المكان؛ قلت: وهل انتهت المقابلة هكذا ؛ قالت: لك ما تريد؛ قلت:إذا سنتقابل غداً لأنني سأبيت في القليبة؛ قالت: إذاً أنت خائف ؛ قلت: هو ذلك وأنا مبتسماً مصدقاً لها من الداخل، فإلى الملتقى حول ذلك الجبل إن شاء الله.
بواسطة : الدكتور مسعد العطوي
 3  0