×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
ريم الجوفي

"يامطير العاصي"
ريم الجوفي

( يامطير العاصي )

( يامطير العاصي ..مطِّر على راسي .. واعطيك خبيزة .. ) وكأننا نكافئ السماء بترديدها حين يهطل المطر بعد طول الجدب .. هي وأهازيج كثيرة لم تبرح أفواهنا عند الرغبة في شكر لحظات الفرح .. لعلني أكيدة من أن أطفال ( الجوف ) فقط كانوا يرددونها تحت المطر .. وحدهم اعتقدوا أن منح السماء قطعة صغيرة من الخبز سيعبر عن الغبطة والامتنان.

حين أتوحد مع الذاكرة يتبادر لذهني أن أسأل صديقتي ( العسيرية ) : وأنتم كيف تشكرون السماء في طفولتكم ؟ بل لماذا تختمين حديثك معي بكاف الخطاب وليس بالشين .. *لماذا أصبح الجميع يقول الحب والشكر وكل شيء باللهجة البيضاء ! أعلم جيداً أنك لاتنتقصين الشين التي شربتيها مع الحليب ولكن ثقافتنا الأحادية اللون والطعم والرائحة طمست خصوصية الزمان والمكان والإنسان .. أستطيع فهمك إذا اختلفت عني بل أستمتع أكثر حين تشرحين لي صنع (العريكة) ولاأخبرك عن أسرار (البكيلة) حتى لاتأكليها إلا من يدي.

لايشدني تأمل رقص الفتيات المتشابه في الأعراس بل تنفرج أساريري حين تمتطي المنصة إحدى جميلات الزمن العتيق فألمح في تثني جسدها أصالة قمم الجبال التي لاتموت إن كانت جنوبية أو تمرد الخيل التي لم يروضها البشر بعد إن كانت شمالية ... حتى بيوتنا أصبحت مصممة لمناخ واحد رغم حقيقة اختلافه من منطقة لأخرى ... ثم لك أن تتخيل الوجوه التي تشابهت أكثر .. فطبيب التجميل في كل مدينة نذر أن تتشابه ملامحنا فلا نُعرف إلا بالأسماء.

لماذا يؤلمني التشابه ؟؟ .. لأن الاختلاف هو الذي ينعش روحك حين تستمع لحكايات كبار السن المليئة بالمفردات التي تستوقفك للسؤال عن المعنى في كل جملة .. اختلافنا يصنع التاريخ والمعرفة .. نحن نقتات على فتات الماضي .. على الحكمة التي لم نتلقاها في فصول مغلقة ومن معلم يحفظ ماتعلم وليس ما مارس .. كانت تجاربهم الحية دروس صنعتها المدرسة الأضخم التي لاتحدد أرضها أسوار .. (مدرسة الحياة) ..عرفت أمهاتنا الخاصية الأسموزية ليس من درس العلوم *بل حين وضعن حبة البطاطس مع الكبسة لإنقاذ موقف.

تقتحم الحضارة أرضنا البكر كل يوم فتقتل أرواحنا الخضراء والشجر ..تلك الحضارة اللعينة (في أغلب الأحيان) هي التي أنزلت الفلسفة من أبراجها العاجية فصارت الحياة ميتة حين تعاطينا مع المادية البحتة.. أدركت جمال الإختلاف حين زارتني صديقتي العسيرية في الجوف .. لم أذهب بها إلى المولات أو الحدائق التي أنبتتها الحكومة .. جعلتها تزور (قصر مويسن) المسكون بالجن كما روت عجائزنا وتحديتها أن تدخله ثم لم أرغب بشجاعتها الساخرة حتى لا أفقد *نشاط هرمون الأدرينالين عند محاذاته كما اعتدت منذ الطفولة.

تستطيع تلمّس هذا التشابه والنمطية حتى في الفن .. الأغنيات الجاهزة السريعة ذات الإيقاع المنظّم .. الفنانون أقصد (المؤدون) الذين تتحقق شهرتهم بمجرد قدرتهم على التملص من *(التنشيز) .. لايوجد بينهم من لديه لزمات محمد منير أو غمزات سميرة توفيق وإن كانت تُعاب إلا أن نكهة أصواتهم الصادقة صيّرت النقص جمال .. تماماً مثل تفاحة شركة أبل ...بدأت روايات أدبائنا تترفع عن المحلية مصمَّمة على نسق واحد يرضي جائزة البوكر .. ذلك النسق المشروط بجلد قيمنا عن بكرة أبيها .. نسوا أو تناسوا أن من يمنحهم الجائزة يؤمن بأن سبب نجاح أشهر كتابهم هو إيغالهم بمحليتهم ونقدهم البناء الذي *يأخذ بيد مجتمعاتهم إلى السعادة بعيداً عن جلد أجمل مافيها.

ليتنا نتشابه في الذوقيات فنتقن جميعاً ثقافة الشكر حين نلمح الغيوم الكثيفة أو أكُف الصادقين مهما اختلفت الطريقة أو اللفظة ... ليت ثقافة الإعتذار وشرف الخصومة هي التشابه الوحيد بيننا حين تكون وجوهنا .. أهازيجنا .. بقية أفكارنا وذكرياتنا مختلفة.

إضاءة / ألم تستمتع حين جربت لعبة إيجاد الاختلافات السبعة؟!


ريم الجوفي
بواسطة : ريم الجوفي
 6  0