×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

أنا وحجاب وكوكب الشرق!
شتيوي العطوي

أهلا بكم من جديد، وبعد:
كنت قد شرعت في كتابة مقال كامل الدسم، يسيل الدّهن إلى مرفقه، كحالنا في زمن " الفتّة ". وقد استغرق العجن والفتّ قرابة اسبوع، بحثا عن كل " حمش " يملأ صحن المقال. ولأني من عشاق الفتّة، سواء كانت فتة رشوف (عدس وجريش ) أو خميعاء أو مجلّلة، لذلك كان المقال يعبر تعبيرا صادقا عن مفهوم " الفتّة ". ومن وجهة نظري أعتبره من فئة " مسامير الرّكب "

كان عنوان المقال " كتاتيب جوجل ". عنوان مستفز للخطيب " جوجل " أستاذ كتاتيب العصر الحديث ، نسخ ولصق، ومطويات، وملخصات، ومشاوير وطوابير، ودفع فلوس في المكتبات، وأعمال فنية عند السادة الرسامين والخطاطين والخراطين، ودروس خصوصية آخر السنة. وفي النهاية إلى حاوية النفايات وبئس المصير.

كان المقال ردة فعل عنيفة لما آلت إليه حال طلّاب " كتاتيب جوجل " الذين أهلكونا بطلباتهم، حيث اكتشفت من خلال مجموعة منهم أنهم لا يحفظون جدول الضرب، والمجموعة تضم ابتدائي، متوسط ، ثانوي. وفي قواعد اللغة كانوا لا يعرفون المبتدأ من الخبر. ومن المؤكد أن الخطيب " جوجل " ليس عنده خبر. فالخطيب " جوجل " مشغول بفعاليات الموسوعة الحرة.

وحين فرغت من كتابة المقال بعد جهد جهيد، فتحت جهاز الكمبيوتر لنشر المقال، فوجدت صورة الأستاذ " جوجل " أمامي وهو يقص شريط إحدى الفعاليات التي لا تكاد تنتهي، وكانت عينه على الكاميرا لا على المقص. وبهذه الفعالية المشعللة أحرق الأستاذ " جوجل " فاعلية المقال!. ومع ذلك لم أحزن فلدي رصيد هائل من المقالات التي تكشف الضحك على الشوارب، من باب التنفيس عن كربتي وكربة القارىء، لذلك صرفت النظر عن نشر مقال " كتاتيب جوجل "

كنت وأنا أكتب مقال " الفتّة " سالف الذكر أستمع إلى صوت " أم كلثوم " كعادتي حين أكتب في هجعة الليل تحت سماء " دمج " الملبدة بالغبار الذّرّي الذي يسد الخياشيم لعدم وجود شوارع مسفلتة. فكانت " كوكب الشرق " تغني بصوت خفي " أروح لمين " فتذكرت قصة الأمس مع صوتها الشجي، ذلك الصوت الذي تسلل إلى فؤادي قبل أن أعرف الأشواق، حين كنت أتسلق إلى ظهر البيت لأستمع لصوتها العذب مخافة أن يسمعني والدي فيظن بي الظنون. وكنت أحس أن الراديو تكاد مؤخرته الكرتونية أن تنخلع حين يقول المذيع: هنا القاهرة !. تلك القاهرة التي لم أزرها، لا سائحا، ولا صائعا.

لم تكن أم كلثوم وحدها التي تحرّك مطرقة وسندان مسمعي، فالفنان "حجاب " له مساحة واسعة في ذلك الصيوان الغضروفي، وله مكان خاص في القوقعة.

وفي يوم من الأيام قال لي أحد الواشين بأن أحد الناس سأل كوكب الشرق عن رأيها في الفنان " حجاب " فقالت: دا بينه وبين الفن حجاب !
تذكرت مقولة حجاب " يا ويل من يجرحنّه " واعتبرت كلام أم كلثوم جرحا لي قبل أن يكون جرح لحجاب، لذلك قطعت علاقتي بكوكب الشرق، ووطدت علاقتي بوردة الجزائرية، وليس بعيدا أن أذهب إلى حنجرة " فيروز " وهناك فايزة و نجاة و فريد و العندليب الأسمر ، وصولا إلى وديع الصافي و نصري شمس الدين، وكل ذلك من باب تنويع مصادر الطرب، ولتذهب صاحبة " أروح لمين " إلى أي مكان، كفاية احتكار.

طالت مقاطعتي لأم كلثوم، وفي ذات ليلة كنت أستمع لوديع الصافي " على الله تعود بهجتنا والافراح " وكان صوته ثقيلا فتذكرت أم كلثوم وهي تشدو " أنساك .. دا كلام ". فهزني الشوق لذلك الصوت الذي جمع كل أرصدة عشقي وهواي وكل آهاتي وتنهداتي وأحلامي، وأنه لا مفر من أم كلثوم، فعدت إليها بعد طول غياب، فكانت وكأنها تنادي من وراء الغيب بصوتها الشجي وتقول: أنت عمري!
بواسطة : شتيوي العطوي
 19  0