×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
ماجد ساعد ابوذراع

موقف منذ عشرة سنوات!
ماجد ساعد ابوذراع

السلام عليكم ...

بإختصار ؛ هي مواقف ( في مسيرتي التعليمية )أسردها على سليقتي ، فلا تكيفوها ولا تمثلوها ولاتشبهوها ، هي مواقف شاهدتها ، ولحظات عايشتها ، ولعلكم اليوم تأخذون درسا بالمجان وأكون لكم عبرة فاعتبروا أيها المعلمون الأفاضل

الموقف الأول : كنت معلما للصفوف الأولية في عام من الأعوام وكان هناك طالب من أنجب الطلاب ذكاءا وتوقدا وفطنة فكان في كل أول حصة يأتيني عند طاولتي
ويسرد علي يومياته الطفولية وإذا تعمق بالموضوع قلت تفضل يابني لنبدأ بالدرس ، واستمرت هذه الطريقة معه أسابيع حتى مللت من تساؤلاته وثرثرته الجميلة ، وعزمت على إيقاف هذه المناقاشات الطويلة التي لافائدة منها بنظري القاصر، وذات يوم وافقت مزاجا معكرا ونفسية ملوثة وعقلا شارد فما إن قام ذلك الطالب من مكانه ليتوجه لمسرحه اليومي وبرنامجه الصباحي الذي يهذه علي صرخت بوجهه فقلت له أجلس أجلس قال يا أستاذ عندي كلام قلت .. أنت ثرثار ... لا تحدثني مرة أخرى ، أجلس مثل بقية زملائك ، وبدأت بالحصة مباشرة ، واستمر الوضع لعدة أيام، وهو مصر على مقاطعتي البته والحقيقة أني اشتقت لحديثه ولكن في نفس الوقت الوضع ليس كسابقه بل أصبح نقاشنا يكتسي ثياب الرسمية والإختصار
في يوم من الأيام الدراسية بينما أنا أشرح الدرس وإذا بالمرشد الطلابي يطرق باب الفصل ليستأذن لذلك الطالب ويقول إن والده عندي الآن ليعطيه مصروفه اليومي المدرسي فانتهزت الفرصة فقلت لو أتي والده الآن هنا للفصل لكان خيرا لوجود ملاحظات أود أن أبثها أليه ، فاستجاب المرشد وانصرف، ولحظات وإذا بالباب يطرق مرة أخرى ويفتح الباب فإذا بالطالب يصرخ ويقول أبي أبي بالفعل سلم على والده وبدأ يتحدث مع والده بألفاظ غير مفهومه وحركات باليد توحي الغرابة والدهشة ولم أسمع من والده كلمة واحدة برغم ضمه وتقبيله لصغيره ليتضح الأمر جليا بين ناظري ..
إن والد الطالب الذي نهرته قبل أسابيع ومنعته من محادثتي ( أصم ، أبكم ) ياسادة ...
وجميع تلك الحركات الغريبة كانت محادثة بينه وبين والده لغة الإشارة فعلمت يقينا أني كسرت خاطر طالبي ، ونهرت إنسانا يريد أن يفضفض علي لما استراح لي ، طفل حرم سماع صوت أبيه ؛ حرم حلاوة مناقشتة ، ولطيف مداعبته الكلامية ، بل حرم حتى كيف يسرد يومه الدراسي على وجبة الغداء لأنه والده لن يسمع ثناءا أو يضيف لحديثه كلاما ، فكانت محاورته لي تفريغ عما يجول في صدره وخاطره وهل هناك أجمل من حديث الطالب لمعلمه إنكان يحبه ، فبدأت معه صفحة جديدة من حينها وقلت يامحمد من اليوم وصاعدا اقصص علي من القصص ماشئت ومن المغامرات ماتريد ، تحدث كيف تشاء ، وبما تشاء فلن أرد لك طلبا ، ولن أصد عنك أبدا ، وبدأنا برنامجنا معه واتفقت أيضا أن يعلمني لغة الإشارة وكيفية مخاطبة الصم البكم وعلمني بعض الإشارات وبعض الرسومات لمخاطبتهم ، فعلمت حينها أن المعلم رسالته قبل أن تكون تعليمية هي تربوية سامية فالتعليم مهنة اختصها الله لأوليائه ورسله فكان لزاما قبل التعليم أن ينظر العالم لطبيعة المتعلم وبيئته وبيته لتواكب تعليماته وإرشاداته بما يناسب ذلك المسترشد أو ذلك الطالب

والآن بعد مضي عشرة سنوات أجدد اعتذاري لذلك الطالب الجميل والمهذب الذي كان عمره سبع سنوات أقول أنا أسف ياعزيزي ولو أنك الآن تدرس بالصف الثالث ثانوي

لقد علمتني ياعزيزي : أن لا أتسرع في الحكم على الآخرين قبل أن أعرفهم جيدا
ف" الظل " لا يعكس دائمــــاً الحقيقة

دمتم برعاية الله

وهناك مواقف سأذكرها لاحقا بإذن الله استودعكم الله


ماجد بن ساعد أبوذراع الفاضلي
الأربعاء ١٤٣٩/٣/٢٥
بواسطة : ماجد ساعد ابوذراع
 1  0