×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

صوت عربنا ( 1 )!
شتيوي العطوي

أهلا بكم من جديد، وكل عام وأنتم بخير
وبعد:
في هذه الليلة الرمضانية اجتمعنا على مائدة الإفطار، فكان صوت " عربنا " يملأ الحوش. أطفال يمرحون ويسرحون هنا وهناك، يكثحون ويحثون التراب على رؤوسهم من بقايا " طعس ". وعلى وقع صوتهم الطفولي البريء تبدت لي ذكريات وحكايات، فتذكّرت صوت عربنا، يوم أن كان صوتهم لا تحده جدران.
وبينما كنت غارقا في بحر ذكرياتي، جاء أحد الأطفال الصغار بعفويّة يهيل على رأسي حفنة من تراب، فضجّ الحوش بصوت عربنا استنكارا بصفتي كبير العرب.
قرقر الطفل وهرب مسرورا بفعلته، فتذكّرت وأنا في حالة نفرزة، أننا كنّا نفعل ذلك حين كنا صغارا، يوم أن كان مخزوننا الاستراتيجي من الماء العكر " قربة "، ومع ذلك كنا نخالف كل الوصايا، فنعطّر ثيابنا وأجسادنا بكل مراغة..
لا بأس عليك أيها الطفل المدلل، فصابونة " ديتول " معطرة ومعقمة كفيلة بإزالة ذلك العارض الذي كان يستعصي فيما مضى على تلك الصابونة التي عرفتها - لاحقا - أنها لا تكاد ترغّي.
قال أحدهم ذات عزومة منسفيّة، وقد تذكر بعد طول عهد: أن العيب ليس في الصابونة، ولكن الخلل في مقاومة تلك الأجساد! قال ذلك مازحا حين أصبح يستحم بالشامبو ذي الرغوة.
كان لا بد لي من محفّّز لكتابة هذه التخبيصة، غير تخبيصة ذلك الطفل، فكان صوت " طارق عبد الحكيم " الذي تسلل خفية عبر اليوتيوب: قلت يكفي البعد يا آسيني ! إنه صوت الزمن البعيد حين كنا نسمع ولا نرى .
والحق أنه لم يكن بي طرب لصوت العود، وقد أصابنا " الطرم " من طقطقة المواعين التي تعج بها اليوم محطات صوت العرب من المحيط إلى الخليج .لذلك تركت " الحكيم " يحكي قصته لكل البشر، وطافت بي الذكرى إلى سوح غير ذي زرع يعج بصوت عربنا وقد شدّوا رحالهم مظعنين.
كان المسير طويلا، ولا أدري يومئذ إلى أين، غير أنه كان نحو مطلع الشمس ، والظعن يمشي الهوينا، وأصوات الراحلين تملأ الفضاء، والكل يعبّر عن أحلامه بين العجاج، تحملهم أرجل عشقت قسوة المسير، حتى تلك الشاة العرجاء التي تثغي في آخر الظعن.وللراكبين على تلك الظهور والسائرين خلف تلك الأذناب صوت، والفلاة لا تكمم أفواه السائرين في مدارجها، وكأنها تعشق الأصوات حتى كأن الأماكن الموحشة تأنس بتلك الأصوات فتردد صداها بين هضاب حمر وغرابيب سود.
كان الظعن يسير والكلاب تنبح على صوت أوركسترا الصحراء بين حداء وهجيني ورغاء وحنين وثغاء ونهيق، وطفل يمط رأسه من عين الخرج يصيح ولم يكن ساعة إذ رضّاعة تلهيه عن ذلك الضرع المتعب، ولا ظل يستر الظعن، فجلست أمه ترضعه في ظل الراحلة. لقد توقف الظعن، فصاح الديك محتجا على طول المكث! حتى الديك المصفد بالأغلال على ظهر حمار يبدي رأيه ويشارك الظعن سيمفونيته.
وبعد طول مسير توقف الظعن ينظر إلى كبير العرب وهو يدير البصر بين مطلع الشمس ومغربها وشمال الأرض وجنوبها لعل وحيا يهديه إلى تقرير المصير، ولم يصدّق الحمار بكل ما عليه من "طقطق " أن الوقت حان لأن يضع أحماله إلا حين برك بعير كبير العرب، فنهق وشهق، وتموضع النزل في سوح عريض، تشرق شمسه بين تلال بعيدة يخفيها بين حين وحين وهج السراب وعجاج تذروه الرياح .
كان صوت عربنا يملأ فضاء ذلك السوح العريض، ولا صوت يعلو على صوت عربنا غير عواء ذئب ينتظر الهجعة وغفلة الكلاب، ولم أك أعلم يومئذ أن هناك عرب غير عربنا حتى جاء كبير العرب بجهاز راديو ، وعلى صوت دقات " بق بن " يصمت العقلاء من عربنا وينصت كبير العرب لنشرة الأخبار القادمة من وراء ذلك "الحزم " وكنا نتحلق حول المذياع، ونستمع لصوت العرب، فأدركت حينها أن هناك " عربان " غير عربنا.
كان ذلك إبان حرب ( 1967م ) ولم يك يعنيني يومئذ لا نكسة ولا نكبة، فأحلامي الطفولية الورديّة معلقة بلحية تيس يملأ " المراح " لبلبة بين القطيع.
والسلام
" يتبع " إن شاء الله
بواسطة : شتيوي العطوي
 4  0