×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي

هل تصبح أوكرانيا "أفغانستان أوروبا" ؟
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي

يمكن تسمية الصراع الروسي الأوكراني في تعريفه الدقيق اليوم بالاسم الحركي للنزاع بين روسيا وأمريكا ومنظومة حلف شمال الأطلسي، فأوكرانيا ذريعة النزاع وحلبته التي تجري على أرضها وقائعه اليوم، وهذا النزاع مؤجلة مشاهده العسكرية بالرغم من أن فصول سياسية ساخنة منه قد جرت في جورجيا ثم في أوكرانيا ما بين العامين (٢٠٠٤-٢٠١٤) كان الهدف منها ضرب الأمن القومي الروسي في خاصرتيه المحاذية لحدوده البلشغيه، والغرب ليس له قضية وطنية في هذا النزاع إنما يريد كسر هيبة وقوة روسيا من خلال ضم أوكرانيا لدول حلف الناتو.

وفي التاريخ الإنساني حيث مسيرة الحضارات والمجتمعات البشرية توجد محطات ومنعطفات وتقاطعات تواجه الأمم، وفرص لتحديد مصير وتشكيل دول، وقوى وأقطاب ينتج عنها قرارات تبنى عليها قواعد نظام عالمي جديد، وأكبر مغذي للصراعات البشرية كان ولا يزال ناتج عن طمع الإنسان منذ (هابيل وقابيل).

وعندما يطلق الرئيس (بوتين) صفة امبراطورية الكذب على أمريكا، فهل يعني ذلك أننا سنشهد المعركة الفاصلة حيث استدعت العملية الروسية استنفارا أمنيا بين موسكو وأمريكا والدول الغربية (الناتو) تنذر بوقوع حرب عالمية (ثالثة).

وقد كذب الغرب على أوكرانيا عندما أوهموها بالانضمام إلى حلف الناتو وهم يعلمون إن من دون ذلك ( خرط العتاد ) وأن مسألة الأمن القومي هي ام المسائل في السياسة الدولية خاصة في عصر الرادع النووي، وقد راهن قادة(كييف) على غوث أمريكا ودول الناتو وسد عليهم الوهم بمؤازرة حلف الناتو إدراك حقيقة أنهم وحدهم كتب عليهم العيش بجوار روسيا بقوة أحكام الجغرافيا، وهكذا كانت النتائج كارثية بالنسبة لهم بناء على فقر النخبة السياسية الأوكرانية إلى الذكاء السياسي ،فورطت نفسها في تقديم السخرة السياسية لمشروع أمريكي أطلسي لاتعنيه مصالح أوكرانيا بشيء، ولا يرون فيها أكثر من كونها طعم لصيد روسيا أو منصة للتصويب على أمنها القومي.

والعملية الروسية في أوكرانيا إنجاز لما كان يحذر منه الرئيس بوتين على مدى (١٥) عاما الماضية، بأنه لن يقبل بوجود القوات الامريكية أو صواريخها على مقربة من حدود بلاده، مذكرا بموقف أمريكا عندما رفضت قواعد الصواريخ الروسية في (كوبا) ، ولكن أمريكا تجاهلت تلك التحذيرات وبالتالي أقدم على هذا التصرف وهو يعلم جيدا بأن الغرب لن يقدم على التدخل المباشر بجيوشه عندما لوح بأن النصر في اوكرانيا شرط لمنع استخدام السلاح النووي.

ولذلك كانت ردة فعل الغرب عباره عن صناعة حدث اعلامي استخباراتي ومشاهد إعلامية مرئية، بهدف التأثير على المشهد العالمي ومقاطعة اقتصادية لن تجري وسيتم رفعها بوقت قصير بعد انتهاء الأزمة، وخذ ايران مثلا على ذلك فهي واقعة تحت الحصار الاقتصادي منذ (٢٠) عاما، ولذلك بدأت أمريكا ودول الناتو بدعم اوكرانيا بمساعدات عسكرية ومالية لتحويل اوكرانيا إلى (أفغانستان أوروبية).

ولا شك أن الجانب الروسي أخذ الحيطة لذلك وغير من استراتيجيته العسكرية والسياسية وخفض سقف توقعاته في الأسبوع الخامس من الهجوم حتى لا يقع في نفس الفخ الافغاني السوفييتي. لذا نجد رفضا مستمرا من جانب الرئيس (بوتين) لرفع وتيرة الحرب متمسكا بتكتيكات محدودية التشكيلات العسكرية ونطاق محدود من الأعمال الهجومية ، وانفاق محدود للموارد البشرية واضعا في اعتباره التحديات الخطيرة في حالة احتلال اوكرانيا بشكل كامل، ويظهر أنه اختار أن يحارب بيد واحدة والغرض من ذلك هو تحويل اوكرانيا إلى عبئ على امريكا ودول الناتو، وهو يحتفظ بأبواب دبلوماسية للخروج من الوضع إذا لزم الأمر حيث سيكتفي بشرق اوكرانيا ، والمعركة هناك توشك على نهايتها مستبعدا الذهاب غربا بمحاذاة الحدود البولندية، وسوف يشترط جعل الجزء الغربي من اوكرانيا محايد.

المواقف المتجددة بناء على العملية الروسية في اوكرانيا تنذر بأن العالم أمام مفترق طرق خطيرة، واحتقان مرعب فإما أن يصبح التحالف الروسي الصيني الحاكم الجديد لعالم المستقبل ونهاية عصر العولمة الرعناء وهذا الاحتمال الأقوى، أو تتمكن أمريكا ودول الناتو من القضاء على أحلام الإمبراطورية الروسية الصينية قبل أن تكبر وتتعمق وهذا هو الاحتمال الأضعف، وكل الأمور على المحك من خلال ما يجري الآن ولا يرى في تفكير الجانب الروسي احتمالية لقبول الهزيمة، وكأنهم قد ربطوا العملية في اوكرانيا بوجود روسيا من عدمه، وهذا يحتم عدم قبول الهزيمة وإلا لن يكون هناك (بيوتين) ولا روسي، ولن يكون هناك عالم بدون روسيا، لذا فإن من الأهمية الإصغاء لما يقوله بيوتين لأن الموقف الروسي حاليا أشبه ما يكون بالصحوة قبل الموت في ظل العقلية الأحادية المتجذرة في الزعامة الروسية باستحالة الهزيمة، وإذا رأيت ظالم ينتقم من ظالم قف وأنظر إليه متعجباً وتأمل قول الله تعالى(وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) وما من يد ألا ويد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم منه فلله الحمد والمنة.

عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد/ عبدالله بن كريم بن عطية
بواسطة : عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي
 1  0