×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
إيمان حماد الحماد

الصمت
إيمان حماد الحماد


منتقى من كتابي ( من أطلق سهامي ؟ )
لم أشعر يوماً بأني فقيرة إلى هذا الحد ، بل أكاد أكون مُعْدَمة .
أدركت فجأة أني لا أملك شيئاً ، لم أجد حتى ما يسد حاجتي لينقذني ، وليس هناك من يقضي أمري ، فينوب عني .
ففقري مختلفٌ عن أي فقر قد يتبادر إلى أذهانكم ، فحاجتي لا تكفيها الأموال كما قد يتراءى لكم .
فما أحتاجه وحُرِمْتُه ليس مالاً .
ولن يغنيني حتى وإن حُزْتُ من الذهب تلالاً .
فما أسوأ من أن يشعر المرء بضياع حروفه ، وفقده لكلماته .
أن يعجز عن وصف مشاعره ، أو التعبير عن ذاته .
أن يفقد القدرة على المطالبة بحقوقه .
أن لا يجد لفظاً يصفه ، وتأبى الحروف أن تجتمع لتنصفه .
كمن يمتلك قصراً ولا يستطيع أن يسكنه ، ولديه مالٌ ولكنه لا يقدر أن يصرفه ..
عندي كل شيء ، وعند حاجتي لا ينفعني أي شيء .
لدي القدرة على التعبير ، ولكني لا أجد كلمة واحدة تسعفني ، وتحتوي أفكاري ، وتحمل عن كاهلي ثقل خواطري ، وتقلِّص في أفقي اتساع خيالي ، وامتداد أوهامي .
أمتلك معجماً من الألفاظ وعندما أبحث عن لفظ يصف حالي ، أشعر أنه من الكلمات خالي .
بحثت كثيراً ولم أجد ، حاولت جاهدة أن أخرج ما بي ، فلم أفلح .
كانت همومي أكبر من أن تصفها الكلمات .
وكان حملي أثقل من أن تنقله العبارات .
أصبح لساني عاجزاً عن التعبير ، وقلمي جفّ فلم يتمكن من التحرير ،
وعقلي استخفَّ فلم يقدر على التفسير ،
ضاعت مني الكلمات ، وتبخرت من معجمي المفردات .
استدعيت الجمل فلم تحضر ، فلما أجبرتها تداعت .
بنيت المعاني فلم تحفل ، ولما أظهرتها ، تهاوت .
فكأني أتحدث بلغة غير لغتي ، فلم يلتفت إلي أحد .
تطايرت حروفي ، فأضاعت نقاطها ، وتناثرت مفرداتي ، ولم أجد مرادفاتها ، وتبخرت قدرتي ، ولم تجتمع قطراتها .
فلا حرف يلتقي بأخيه فيرضى أن يعطيني كلمة ، ولا كلمة تجتمع بأختها لتصبح جملة ، ولا جملة ترتبط بغيرها لتنشئ فقرة تحكي عني ، أو تحمل معي .
غادروني كلهم ، صغيرهم وكبيرهم ، بحثت عنهم فلم أجد .
سقط قلمي ، وجمد لساني ، واحتار فكري .
فاستعنت بدمعي ، ليترجم مقالي ، ويصف حالي ، فعجز عن نصري .
فعدت أدراجي ، وحفرت قبراً لأوراقي .
ودفنتها بأدراجي ، وطمرت عليها في جوف أعماقي .
وكأنها أبت الاحتفاظ بما كتبته عليها ، فآثرت أن توأد منعاً لإحراجي .
فأعلنت عجزي ، وآثرت الصمت .
لجأت إلى الصمت في الوقت الذي أكاد أنفجر فيه من تزاحم الكلمات التي لم تجد مخرجا .
وآثرت السكوت ، ونابت دموعي بالحديث عن مشاعرٍ قُيِّدت ولم يُكْتب لها فرجا .
فأطلقت سهم صمتي ، وأصبت به كلماتي فقتلتها ،
وعاد مرتدا ليصيب مشاعري ، والتي برغبتي دفنتها .
بواسطة : إيمان حماد الحماد
 0  0