×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله الفرحان

من الابتلاءات يولد العظماء
عبدالله الفرحان

من السنن الكونية وقوع البلاء على المخلوقين اختباراً لهم، وتمحيصاً لذنوبهم، وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم، قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
وللابتلاء فوائد عظيمة للإنسان، منها تكفير الذنوب ومحو السيئات، ورفع الدرجة والمنزلة في الآخرة، والشعور بالتفريط في حق الله واتهام النفس ولومها، وفتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله، وتقوية صلة العبد بربه وتذكير أهل الشقاء والمحرومين والإحساس بآلامهم وقوة الإيمان بقضاء الله وقدره واليقين بأنه لا ينفع ولا يضر إلا الله وتذكر المآل وإبصار الدنيا على حقيقتها.
لكن في مقالنا اليوم نسلط الضوء على الابتلاء الذي يلد العظماء وهو مفتاح نقاشنا، ألا وهو أن الابتلاء قد يكون يوم ميلاد لأشخاص كثيرين لأن أحوالهم تتبدل ويكون الابتلاء دافعاً لهم ليكونوا عظماء يذكرهم التاريخ مهما مرت السنين على حياتهم.
ومن العظماء الذين ابتلوا كان "طه حسين" عميد الأدب العربي وأحد أشهر الكتاب والمفكرين المصريين في القرن العشرين ولد عام 1889 ميلادية من أسرة متدينة وفقيرة ذات العدد الكبير من الأبناء وعاش طفولته الباكرة في إحدى قرى الريف المصري، فقد بصره في الصغر بسبب مرض الجدري الذي كان منتشرًا في مصر حينذاك ، لكن الله تعالى سرعان ما أعطاه عوضًا عن فقره وبصره ليصبح من رموز الأدب العربي في مصر، وظل يكافح لانتشار التعليم في كل أركان مصر المحروسة، وتولى منصب وزير المعارف، ليصبح وزيراً في الحكومة، ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل.
ونتحول من الشرق الأوسط وبالتحديد مصر إلى حواري أوروبا العتيقة وهناك نجد العالِم الكبير "جان جاك روسو" صاحب كتاب العقد الاجتماعي ولِد في عائلة معوزة، وعاش فقيرًا، فأبوه كان عامل ساعات لا أكثر، لكن روسو أصبح أحد أهم فلاسفة القرن الثامن عشر، ومنظّر عصر التنوير، الذي مهّد لقيام النهضة الأوروبية.
توماس إديسون هو مخترع المصباح الكهربائي ولد فقيراً في مدينة ميلان، وكان عنده مشاكل في السمع ولما كبر أصبح أصم، فعمل على التلغراف في بدايته.
وارين بافيت هو من أشهر مستثمري البورصة الأمريكية وهو صاحب شركة Berkshire Hathaway عمل كصبي لتسليم الجرائد على دراجته الهوائية، وهو في سن الثالثة عشرة.
هنري فورد هو مؤسس شركة فورد للسيارات عمل فلاحًا في بداية حياته بعد أن ترك المدرسة وهو في الخامسة عشر من العمر، أدولف هتلر الزعيم النازي، بدأ حياته العملية ليس في مجال السياسة وإنما كرجل بريد.
ولو عدنا إلى زمن أكثر من ذلك بكثير وبآلاف السنين سنتحدث عن القائد المقدوني الشهير الإسكندر الأكبر واحد من أشهر المصابين بالصرع عبر التاريخ، وكان من أذكى وأعظم القادة الحربيين على مر العصور، ولد القائد في العاصمة المقدونية القديمة، بيلا، في 20 يوليو سنة 356 قبل الميلاد، وهو ابن الملك فيليب الثاني من زوجته الرابعة «أوليمبياس»، وتتلمذ على يد الفيلسوف اليوناني «أرسطو» واعتبره معلمه الخاص الذي درّبه تدريباً شاملاً على فن الخطابة والأدب.
وكان الإسكندر مصاباً بالصرع وكان يعرف وقتها باسم «المرض المقدس» بسبب الاعتقاد أن أعراضه كانت ناجمة عن أرواح شريرة تسكن جسم المصاب، أو أن الإصابة بالصرع كانت تعبيراً عن غضب إلهي، كما كانوا يزعمون، لذلك كانوا يرون أنه لا يمكن علاجه إلا بتقديم القربان لهم، وتوفي الإسكندر بعد ذلك إثر إصابته بالملاريا وحمى التيفويد في 10 يونيو سنة 323 قبل الميلاد.
أيضاً ذكر المؤرخون أن نابليون بونابرت القائد العسكري المحنك عانى أيضاً من الإصابة بمرض الصرع طوال حياته، و«بونابرت» وهو إمبراطور فرنسا وصاحب الانتصارات المتعددة، الذي وصفه البعض أنه «أعظم عبقرية عسكرية عرفها التاريخ».
ونتحدث هنا عن نيك فيوتتش وهو يعانى من متلازمة نقص الأطراف الأربعة وهى متلازمة نادرة الوجود عانى فيها من فقدان الأذرع والأرجل بشكل كامل باستثناء قدم صغيرة في أسفل جذعه، طفولته كانت عرضة للسخرية لمن حوله وتعرض لحالة نفسية سيئة دفعته للتفكير في الانتحار، ولكنه وجد أن هذا التفكير السلبى ما هو إلا تدمير لحياته، فتعايش مع إعاقته ولم يكتفِ بذلك بل اتخذ من إعاقته وسيلة لا ترى إلا الجانب المشرق الذى بثه على الجميع من حوله.

وتعلم نيك الكتابة بأصابع قدمه الصغيرة وتعلم استخدام الحاسوب والطباعة عليه وتعلم أيضاً رمى كرات التنس والعزف على الطبل كما تعلم السباحة، وفى سن السابعة عشرة أسس منظمته غير الربحية "الحياة بدون أطراف" لبث الأمل والتفاؤل وإخبار العالم أن الحياة لا تقف على إعاقة، وتحول من الشخص اليائس الذى فكر في الانتحار لنموذج يحتذى به في الأمل من خلال خطاباته في أماكن مختلفة من العالم ليثبت للعالم قدرته على فعل المستحيل بالإرادة.
في نهاية مقالنا أردنا أن نوضح أن الابتلاءات من الممكن أن توقفنا عن المسير إلى طرق النجاح في حياتنا، لكن هناك أشخاص نجحوا في أن يحولوا هذه الابتلاءات سواء كانت مادية أو صحية إلى دافع إيجابي نفسي في الوصول وتحقيق الأغراض التي أرادوا أن يحققوها في حياتهم ليتحولوا إلى أيقونة تتحاكى عنها كل العصور.
بواسطة : عبدالله الفرحان
 0  0