×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

لقد كان ذلك الرجل شؤماً
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

خرج معن بن زائدة في جماعة من خواصه للصيد، فاعترضهم قطيع ظباء، فتفرقوا في طلبه، وانفرد معن خلف ظبي حتى انقطع عن أصحابه، فلما ظفر به نزل فذبحه؛ فرأى شيخاً مقبلاً من البرية على حمار؛ فركب فرسه، واستقبله؛ فسلم عليه؛ فقال: من أين...؟ وإلى أين؛ قال: أتيت من أرض لها عشرون سنة مجدبة، وقد أخصبت في هذه السنة؛ فزرعها مقثأة فأخرجت القثاء في غير أوانه؛ فجمعت منها ما استحسنته،وقصدت به معن بن زائدة لكرمه المشكور، وفضله المشهور، ومعروفه المأثور، وإحسانه الموفور.
قال: وكم أمّلت منه...؟ قال: ألف دينار، قال: فإن قال لك: كثير...!
قال: خمسمائة، قال: فإن قال لك كثير! قال: ثلثمائة...!
قال: فإن قال لك: كثير! قال: مائة.
فما زال به حتى قال: لا أقل من الثلاثين...! قال: فإن قال لك: كثير...!
قال: أدخل قوائم حماري في عينه، وأرجع إلى أهلي خائباً...
فضحك معن، وساق جواده حتى لحق بأصحابه، ونزل في منزله، وقال لحاجبه: إذا أتاك شيخ على حمار بقثاء فادخل به علي.
فأتى الرجل بعد ساعة، فلما دخل عليه لم يعرفه لهيبته وجلاله، وكثرة حشمه وخدمه، وهو متصدر في دستة، والخدم قيام عن يمينه وشماله وبين يديه.
فلما سلم عليه قال: ما الذي أتى بك يا أخا العرب...؟
قال: أملت فضل الأمير، وأتيته بقثاء في غير أوانه.
فقال: كم أملت فينا...؟ قال: ألف دينار. قال: كثير...!
فقال في نفسه: والله لقد كان ذلك الرجل شؤماً عليّ.
ثم قال: خمسمائة دينار. قال: كثير.
ثم ما زال به إلى أن قال: خمسين ديناراً.
فقال له: كثير. فقال: لا أقل من الثلاثين.
فضحك معن، فعلم الأعرابي أنه صاحبه؛ فقال: يا سيدي؛ إن لم تجب إلى الثلاثين فالحمار مربوط بالباب؛ وها هو ذا معن جالس.
فضحك معن حتى استلقى على فراشه، ثم دعا بوكيله، فقال: أعطه ألفاً، وخمسمائه، وثلاثمائة، ومائة، وخمسين، وثلاثين، ودع الحمار مكانه.
image
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0