×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

إنك ابني
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

قال رجل من أهل الكوفة: كنا مع مسلمة بن عبد الملك ببلاد الروم، وهو أمير قائد من أبطال عصره ، ولاه أخوه يزيد إمرة العراقيين ثم أرمينية ومات بالشام سنة 130هـ، فسبى سبياً كثيراً، وأقام ببعض المنازل ، فعرض السبي على السيف، فقتل خلقاً كثيراً، حتى عرض عليه شيخ ضعيف، فأمر بقتله، فقال: ما حاجتك إلى قتل شيخ مثلي؛ إن تركتني جئتك بأسيرين من المسلمين شابين.
فقال: ومن لي بذلك...؟
قال: إني إذا وعدت أوفيت. قال: لست أثق بك.
قال: فدعني أطوف في عسكرك، لعلي أعرف من يكفلني إلى أن أمضي وأجيء بالأسيرين.
فوكل به من طاف معه عسكره والاحتفاظ به.
فما زال الشيخ يطوف ويتصفح الوجوه حتى مر بفتى من بني كلاب قائماً يحسن فرسه، فقال: يا فتى؛ اضمني من الأمير.
وقص عليه قصته. قال : أفعل .
وجاء الفتى معه إلى مسلمة فضمنه، فأطلقه مسلمة، فلما مضى قال: أتعرفه...؟
قال: لا والله.
قال: ولم ضمنته...؟
قال: رأيته يتصفح الوجوه فاختارني من بينهم، وكرهت أن أخلف ظنه.
فلما كان من الغد عاد الشيخ ومعه أسيران من المسلمين شابان، فدفعهما إلى مسلمة وقال: يأذن الأمير في هذا الفتى أن يصير معي إلى حصني لأكافئه على فعله معي.
قال مسلمة: إن شئت فامض معه.
فلما مضى وصار معه إلى حصنه قال له: تعلم والله يا فتى أنك ابني...؟
قال: وكيف أكون ابنك وأنا رجل من العرب مسلم، وأنت من الروم نصراني...؟
قال: أخبرني عن أمك من هي...؟ قال: رومية.
قال: فإني أصفها لك، فبالله إن صدقت إلا صدقتني. قال : أفعل.
فأقبل الرومي يصف أمه ما خرم من صفتها شيئاً.
فقال: هي كذلك؛ فكيف عرفت أني ابنها...؟
قال: بالشبه وتعارف الأرواح وصدق الفراسة.
ثم أخرج إليه امرأة، فلما رآها الفتى لم يشك في أنها أمه لشدة شبهها بها، وخرجت معها عجوز كأنها هي، فأقبلن يقبلن رأس الفتى، فقال له الشيخ: هذه جدتك، وهذه خالتك.
ثم خرج من حصنه، فدعا بشباب في الصحراء، فأقبلوا فكلمهم بالرومية، فجعلوا يقبلون رأس الفتى ويديه ورجليه، فقال: هؤلاء أخوالك وبنو خالتك، وبنو عم والدتك.
ثم أخرج جلباً كثيراً وثيابا فاخرة فقال: هذا لوالدتك عندنا منذ سبيت، فخذه معك، فادفعه إليها، فإنها ستعرفه.
ثم أعطاه لنفسه مالا كثيراً، وثياباً جليلة، وحمله على عدة دواب وبغال وألحقه بعسكر مسلمة وانصرف.
فأقبل الفتى قافلاً حتى دخل منزله، فأقبل يخرج الشيء بعد الشيء مما عرّفه الشيخ أنه لأمه، فتراه فتبكي، فيقول لها: قد وهبته لك...!
فلما أكثر هذا عليها قالت: يا بني؛ أسألك بالله، من أي بلد صارت إليك هذه الثياب...؟ وهل قتلتم أحداً من أهل هذا الحصن الذي كان فيه...؟
فقال لها الفتى: صفة الحصن كذا وكذا، وصفة البلد كذا وكذا، ورأيت فيه قوماً من حالهم كذا وكذا، ووصف لها أمها وأختها وأولادهما وهي تبكي. فقال لها: ما يبكيك...؟
فقالت: الشيخ والله أبي، والعجوز أمي، وتلك أختي.
فقص عليها الخبر، وأخرج بقية ما كان معه مما أنفذه أبوها إليه، فدفعه لها.
image
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0