×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
إيمان حماد الحماد

إنجاب كتاب
إيمان حماد الحماد

عندما أمعنت النظر في قرار إصدار كتاب ، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتق الكُتَّاب ، وأنها تفتح أمامهم ألف باب وباب ، رأيت أن إصدار كتاب أشبه ما يكون بإنجاب طفل ، حيث لا يمكنك أن تحضره للحياة إلا إذا كنت مستعدا لاستقباله وتقبله ، ورعايته وتحمله ، وضمنت له حياة كريمة فلا تظلمه ، ومكانا يليق به فلا تهمله ، وأن ينشأ بين أناس يشعرون بقيمته ، في تفصيله ومجمله ، ويحملك بينهم قدرا كما أنت ستحمله ، ويشبهك طبعا إذ أنه سينسب إليك بحيث لا تتحرج منه فتكبله ، ولا تضطر أن بأعينهم تجمله ، وكأنك تجبرهم عليه فأنت بذلك تقتله ، فإن لم يكن له ذلك ، فليظل بداخلك نطفة ، ويكفيك منه أن تظل تؤمله ، وفي عقلك تحمله ، وفي منامك تحلمه ، وفي اوهامك تتخيله ، فليس هو لك ولست أهلا له ... .
وكذلك الكتاب لا برأسك يتكون ولا لواقعك يتحول ، إلا إن كنت جديرا به ، وقادرا على لقائه ، بحيث تربط بقاءك ببقائه ، وتضمن ذلك له بضمان قرائه ، وترفع قدره في سماك ، ليحلق الناس في سمائه ، ففكرته تمنح القارئ جوا شبيهاً بأجوائه ، وتقدم له أمرا كفيلا بإرضائه ، فيكون لعليل الفكر كدوائه ، ولهزيل الجسم كغذائه ، ولعديم القدر كرجائه ، ولعقيم العقل كروائه ، ولخاوي البطن كغذائه ، ولعاري البدن كردائه ، و لمنقطع الذكر كمداده ، ولغريب الدار كبلاده ، ولقريب الجار كأولاده ، ولحبيب القلب كميعاده ، بلقاء تم لإسعاده ، مبتعث فرح بإيفاده ، عن أرضه يتعب لبعاده ، كالفعل سيقوى بإسناده ، والطالب يرقى بأستاذه ، والفارس يقوى بجواده ، كقياس الشيء بأبعاده ... .
فالأمر لا يقاس بالكم ، بل بالكيف ، فإن وصلت إصداراتي لألف ، ولم تلقَ قبولا فيا حيف ، وكتابٌ قويٌ كالسيف ، أفضل من مئة ونيف ، محتواها كله زيف ... .
فالكاتب الجيد يمتاز بكثرة قرائه ، لا بعدد إصداراته ، وأن أنجب كتابا أو اثنين فيعرف بهما أمري ، ويزداد فخري ، ويخلد ذكري ، أفضل من أن أملأ رفوفي بكتب مهجورة ، وإصدارات رُكِنت وكأنها مجرد صورة ، أألد وأنا عقيم !! ... .
ومن هذا المنطلق حرم الإسلام التبني ، كما كان التلاعب بالكلام تجني ، إن كانت الأحلام في رأسي تغني ، فليس الرقص بالأوهام يُغني ، ولن نبلغ المرام بمبدأ التمني .. .
هي قاعدة وخذها عني : ( قرار إنجاب كتاب ، كشرار أشعله ثقاب ، فإما نارا تضيء وتشرق ، وإما نارا تبيد وتحرق ، فاختر لنفسك طبيعة نارك ، حسب طبيعة أفكارك ، فقد يكون فخرك ، وقد يكون قبرك ، وقد يعلي ذكرك ، وقد ينتهي به أمرك ، وقد يفوح منه عطرك ، وقد يبوح بسرك ، فالمرء مرهون بأقواله ، ومسؤول عن أفعاله ، وكتابه سيغنيه بكافة أحواله ، وإن افتقر حقيقة بنقص أمواله ، فغلاله منه ستكون بحسب ما امتلأت به سلاله ، فلا ترهق كتابك بما لا يستطيع احتماله ، فبقدر الكتاب وقيمته يكون حجم ظلاله ، وسنعرف حقيقة كاتبه من خلاله ، فليس غايتي أن ألد الكتاب ، وألقى بعدها من الناس تجاهلا له فأنزعج من إهماله ) .
بواسطة : إيمان حماد الحماد
 0  0