×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

الخير أبقى وإن طال الزمان به
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

تحوي كتب الأدب الكثير من الحكايات الغريبة التي تنسب إلى الشعراء، والتي لا تخلو في العادة من التشويق، ومن ذلك ما يرويه القاضي يحيى بن أكثم حيث قال: دخلت يوماً على هارون الرشيد، وهو مطرق مفكر، فقال لي: أتعرف قائل هذا البيت:
الخير أبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
فقلت: يا أمير المؤمنين ؛ إن لهذا البيت شأناً مع عبيد بن الأبرص...!
فقال: أخبرني عنه.
فقلت: يا أمير المؤمنين؛ حدث عبيد قال:
كنت في بعض السنين حاجاً، فلما توسطت البادية في شديد الحر سمعت ضجة عظيمة في القافلة ألحقت أولها بآخرها، فسألت عن القصة، فقال لي رجل من القوم: تقدم تر ما بالناس.
فتقدمت إلى أول القافلة فإذا أنا بشجاع (ثعبان) أسود فاغر فاهه كالجذع، وهو يخور كما يخور الثور، ويرغو كرغاء البعير؛ فهالني أمره، وبقيت لا أهتدي إلى ما أصنع؛ فعدلنا عن طريقه إلى ناحية أخرى، فعارضنا ثانياً؛ ولم يجسر أحد من القوم أن يقربه.
فقلت: أفدى هذا العالم بنفسي، وأتقرب إلى الله تعالى بخلاص هذه القافلة منه.
فأخذت قربة من الماء فتقلدتها وسللك سيفي، فلما رآني قربت منه سكن، وبقيت متوقعاً منه وثبة يبتلعني فيها، فلما رأى القربة فتح فاه، فجعلت فم القربة في فيه، وصببت الماء كما يُصب في الإناء، فلما فرغت القربة تسيب في الرمل ومضى؛ فتعجبت من تعرضه لنا وانصرافه عنا عن غير سوء لحقنا، ومضينا لحجنا.
ثم عدنا في طريقنا ذلك، وحططنا في منزلنا ذلك في ليلة مظلمة مدلهمة، فأخذت شيئا من الماء وعدلت إلى ناحية عن الطريق، فأخذتني عيني؛ فنمت مكاني؛ فلما استيقظت من النوم لم أجد للقافلة حساً، وقد ارتحلوا، وبقيت منفرداً لم أر أحداً، ولم أهتد إلى ما أفعله، وأخذتني حيرة، وجعلت أضطرب، وإذا بصوف هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه يقول:
يا أيها الشخص المضل مركبه
ما عنده من ذي رشاد يصحبه
دونك هذا البكر منا تركبه
وبكرك الميمون حقاً تجنبه
حتى إذا ما الليل زال غيهبه
عند الصباح في الفلا تسيّبه

فنظرت فإذا ببكر قائم عندي وبكري إلى جانبي، فأنخته وركبته، وجنبت بكري؛ فلما سرت قدر عشرة أميال لاحت لي القافلة، وانفجر الفجر، ووقف البكر، فعلمت أنه قد حان نزولي فتحولت إلى البكر، وقلت:
يا أيها البكر قد أنجيت من كرب
ومن هموم تضل المدلج الهادي
ألا فخبرني بالله خالقنا
من ذا الذي جاد بالمعروف في الوادي
وارجع حميداً فقد بلغتنا مننا
بوركت من ذي سنام رائح غادي
فالتفت البكر إليّ، وهو يقول:
أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا
والله يكشف ضر الحائر الصادي
فجدت بالماء لما ضن حامله
نصف النهار على الرمضاء في الوادي
الخير ابقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
هذا جزاؤك منا لا يُمن به
لك الجميل علينا إنك البادي
فعجب الرشيد من قوله، وأمر بالقصة والأبيات فكتبت، وقال: لا يضيع المعروف أين وضع.
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0