×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

المهدي والد هارون الرشيد
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

في شأن بيت المظالم عن أحمد بن محمد بن إسحاق قال: كان المهدي يجلس للمظالم فارتشى أصحابه على تقديم بعضها على بعض، فاتخذ بيتاً له شباك حديد على الطريق، وأمر فنودي بطرح القصص فيه، فكان يدخله وحده فيأخذ ما يقع بيده أولاً، فينظر فيه لا يقدم بعضها على بعض، وكان المهدي في بني العباس، نظير عمر بن عبد العزيز في بني أمية، كان يلبس الصوف ويصوم الدهر، وقيل إنه ما أفطر في أيام خلافته إلا الأعياد وأياماً اعتل فيها، وكان يصلي أكثر الليل.
وعن الصولي، قال: قدم رجل من الرملة يتظلم إلى المهدي فأنصفه فاستخفه الفرح حتى غشي عليه، فأتاه المهدي بنفسه، فلما أفاق، قال: ما حسبت أني أعيش حتى أرى هذا العدل، فلما رأيته داخلني من السرور ما زال معه عقلي، فقال: كان الواجب أن ننصفك في بلدك، فإذا لم نطق ذلك، فنعطيك ما أنفقت في طريقك، وكان أنفق عشرين ديناراً، فأمر له بخمسين ديناراً، وأستحله من تأخر حقه.
وفي دفع البلاء، هبت ببغداد ريح عاصف، جاءت بما لم تأت به ريح قط فأُلفي المهدي ساجدا يقول: اللهم احفظ فينا نبيك، ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، وإن كنت يا رب أخذت العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك، يا أرحم الراحمين. فلما أصبح تصدق بألف ألف درهم، وأعتق مائة رقبة، وأحج مائة رجل، وفعلت الخيزران وجلة خاصته وقواده مثل ما فعل، فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا: أخصب من صبيحة ليلة الظلمة.
وفي حكاية لطيفة في البذل وعدم رد السائلين قال يزيد الراوية: كنت عند المهدي، فجاء رجل فسأله فأعطاه، وسأله آخر فأعطاه، وعلى هذا، فقلت: يا أمير المؤمنين قد أصاب فيك القائل حيث يقول:
صُمَّ عن منطق الخنا وتراه
. حين يدعى للمكرمات سميعاً
قوله أعط ذا وذاك وهذا
. لم يقل لا مذ كان طفلاً رضيعاً

فأمر لي بألفي دينار.
ودخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم، فلما قبضها فرّقها على الناس وقال:
لمست بكفي كفه أبتغي الغنى
. ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى
. أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي

فنمى إلى المهدي، فأعطاه بدل كل درهم ديناراً.
ومن لطيف المصاحبة، خرج شبيب بن شيبة من دار المهدي فقيل له: كيف تركت الناس...؟ قال: تركت الداخل راجياً، والخارج راضياً.
وقال ابن جابان: قال المهديّ: كان شبيب بن شيبة يسايرني في طريق خراسان، فيتقدّمُني بصدر دابّته، فقال لي يوماً: ينبغي لمن سايَرَ خليفَةً أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفةُ أن يسأله عن شيء لا يلتفتُ إليه، ويكونَ من ناحيةٍ إن التفت لم تستقبلْه الشَّمس، قال: فبينما نحن كذلك إذ انتهينا إلى مَخَاضَةٍ، فأقحمْت دابّتي، ولم يقف واتَّبعني، فملأ ثيابي ماءً وطيناً، قال: فقلت: يا أبا معمر، ليس هذا في الكتاب...؟
ومن لطيف المنادمات في رحلات الصيد ما يروى أن المهدي خرج إلى الصيد، ومعه علي بن سليمان الهاشمي، فرمى المهدي ظبياً فصاده، ورمى علي آخر فأخطأه وأصاب الكلب، فقال المهدي: من ها هنا من الشعراء؟ فقالوا: أبو دلامة، فقال له: قل في هذا شيئاً، فأنشأ يقول:
قد رمى المهديُّ ظبياً
. شكَّ بالسهمِ فؤادهْ
وعليُّ بنُ سليما
. نَ رمى كلباً فصادهْ
فهنيئاً لهما كلُّ ام
. رئٍ يأكلُ زادهْ

فقال المهدي: صدق والله، لتأكلنه أو لتفدينه، ففداه علي بن سليمان ألف درهم دفعت إلى أبي دلامة.
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0