×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

عذر لكل فعل
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

حكي عن بنت عبدالله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، وكان أجود قريش في زمانه: ما رأيت قوما ألأم من إخوانك.
قال: مه …، ولم ذلك…؟
قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك.
قال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم.
خلل واضح تلقاه ذو النفس الكريمة بتأويل أحال تقصيرهم في حقه وتجافيهم إلى أمر حسن يزيده قربا منهم، وجميلا يقتضي الارتياح والمودة، وهذا من حسن الظن الذي يسمو بالمرء إلى معان يندر وجودها بين أقوام جعلوا همهم الماديات، فيتلألأ مثل هذا الصنيع لعله أن يخطف بصر من يبحث عن كرامة النفس وعزها لتنطلق من قيودها فتزهو في قمم السؤدد ومعاليه.
وقد قال بعض الشعراء:
إذا ما بدت من صاحب لك زلة
. فكن أنت محتالا لزلته عذرا
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه
. كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسط أذى
. ولا مانع خيرا ولا قائل هجرا
وهناك من الناس من طبع على الجفوة والغلظة في التعبير وترك الرفق والأخذ بالشدة وسرعة التوجه للشر، ويأخذ من كل أمر جانبه العسر، وله دائما في سوء الظن تعليل، بل وقد يعده يقين يبني عليه ما شاءت له أهواؤه المريضة.
ومن أراد الإصلاح لا يؤاخذ أمثال هؤلاء بما يتلفظون أو يتعجلون به وإن كانوا لها قاصدين. فالسلوك الحسن معهم يدفعهم، وإن طال الأمد، إلى الجنوح إلى الرفق ومحاولة جمح النزعات الدنيا.
ولا شك أن هذا صعب ويحتاج من الطيبين أن يتحملوا ويصبروا، وعند الله حسن جزائهم.
ولعلك تجد هذا المسيء، بعد إعذاره وطيب التعامل معه، يقف مواقفا تطيب لها النفوس وتفرح لها القلوب.
عن عبدالرحمن بن عمر الأصبهاني قال: كنا في مجـلس عبدالرحمن بن مهـدي، إذ دخـل عليه شاب فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه، فقام شيخ من المجلس فقال: يا أبا سعيد، إن هذا الشاب يتكلم فيك حتى أنه ليكذبك.
فقال عبد الرحمن بن مهدي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
ثم قال عبدالرحمن: حدثني أبو عبيدة الناجي قال: كنا في مجلس الحسن البصري إذ قام إليه رجل فقال: يا أبا سعيد، إن ههنا قوما يحضرون مجلسك ليتتبعوا سقـط كلامك.
فـقال الحسن: يا هذا، إني أطمعت نفسي في جوار الله فطمع، وأطمعت نفسي في الحور العين فطمعت، وأطمعت نفسي في السلامة من الناس فلم تطمع، إني لما رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم، علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم
.
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0