×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

عساه يموت
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

كنت واقفا أنتظر العامل في محل العصير أن يحضر لي طلبي، وأثناء ذلك كنت أعبث بجوالي، وعلى بعد متر ونصف كان يقف رجل وبيده جواله ينظر فيه، فالتفت إليه وقلت: عساه يموت...، فقال الرجل: نعم...!!! فقلت: عساه يموت...، فقال مستغربا: من هو...؟ فقلت: الواتس أب...، فضحك وشاركته الضحك وتحدثنا عن الواتس أب.
كم أشغلنا الواتس أب عن كثير من أمور حياتنا، وأعاقنا وبإرادتنا عن القيام بمهماتنا، وأسهرنا الليالي، وانحدر بنا عن المعالي، ومنعنا من القيام بواجباتنا، وتسبب في تعرضنا للمخاطر أثناء قيادة سياراتنا، وسهّل تأثر فقرات الرقبة، وضعف البصر، وقلل الحركة البدنية، وباعد بين أفراد أسرتنا، وغيرها وغيرها وغيرها.
لن أسهب في الحديث عن المساوئ وأطلق المواعظ وأطرح الحلول فقد كثر الحديث في ذلك، بل سأسطر كلمات قليلة في هذا الشأن، حيث يذكرني الواتس أب بلعبة كرة الطائرة، فما أن تأتي رسالة لأحدهم حتى يقفز من مكانه بنشاط ليكبسها في مجموعاته وأرقام تواصله دون النظر بما تحتويه من معلومة، وأصبح الواحد منا ما أن يغفل قليلا حتى يجد آلاف الرسائل التي امتلأ بها صندوقه، وبأحاديث لا تعني له شيئا، ومع ذلك يقبل على قراءتها، ومواضيع لا تضيف له في مسيرة حياته الخاصة ما يدفعه إلى تحقيق طموحاته أو أهدافه، حتى الفوائد يتم تناقلها بسرعة البرق وكثيرا ما يعاد إرسالها دون التمعن فيها والأخذ بما فيها، وبالطبع هناك من استفاد من هذه البرامج وغيرها، ولا يختلف اثنان بالنفع الحاصل من هذه البرامج وأجهزة التواصل لمن ارتجى الفائدة، فالواتس أب زاد من التقارب الاتصالي عن طريق مجموعات الأقرباء والأصدقاء والجيران وفرق العمل والاهتمامات، وهنا يبرز دور المرسل في انتقاء الجيد والجميل، لكني أعني بحديثي هؤلاء الكثر الذين صرفوا دقائق حياتهم الغالية مقابل خسارات فادحة، فمن تصرف بماله بحمق ترفع عليه قضايا الحجر، فما بالك بمن أهدر أوقاته التي هي رأس ماله في حياته بمثل هذه الصورة ومثيلاتها.
محط الخلل هنا يعود لسوء الاستخدام والمبالغة والإسراف في منحه أغلب الأوقات، فلسنا بمجبرين على قراءة كل ما يكتب ويرسل والرد عليه.
تصوروا لو أن أحدنا صاحب الواتس أب 3 ساعات يوميا فسيكون حصيلة هذا في العام شهرين، أي 60 يوما كاملة، وكأنه في غيبوبة أو سجن أو منفى أو سفر بعيد، فما بالك وأبناؤنا يمكثون معه ومع اللاب توب وغيره من البرامج فترات تصل وبدون مبالغة إلى ال 18 ساعة في اليوم، بل ويفتحون عيونهم من النوم على شاشاتهم قبل غسل وجوههم.
وتبعا لذلك كم من مشاكل جرفت علاقات إنسانية في خضم سوء عبارة، أو فهم مشوش، أو تحليل خاطئ، ولعلكم أحبتي تستذكرون أمورا كثيرة في هذا الشأن.
أنا على يقين أن الواتس أب كغيره سيأخذ وقته وحقه ثم يمل الناس منه قريبا ويرحل ليحل مكانه ما نأمل أن يكون أجدى وأنفع وأقل آثارا سلبية.
هي كلمات معروفة لنا كلنا، آمل أن نقف معها قليلا فنحذف مجموعات، ونحظر أرقام، ونطلق ذواتنا من قيود كبلنا بها قدراتنا، ووأدنا فيها طموحاتنا، وخدرنا فيها عقولنا.
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0