×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
نورة الرواضين

( المبدع المغلوب على أمره)
نورة الرواضين



منسوب الوعي يأتي متدنيـًا كما لم يتدنى مع شيء مثل تعاطي الأهل مع المبدع من أبناءهم ,خاصة إذ كان ربّا الأسرة لم يحظيا بمؤهلات تعليمية جيدة , يبقى المبدع الأكثر حظـًا بتوفر أبوان متعلمان يتجاوبا بإدراك مع موهبـتـه.
لكن موضوعي هو المبدع المغلوب على أمره إن جاز التشخيص .
فإذ ما كان يقف على الأعتاب الأخيرة من عقده العشرين فبأفضل الأحوال هو لديه أبوان عجوزان يقدسان العلم يستسخفان شأن الموهبة
حيث أن الكثير من أطياف المجتمع ينظرون للإبداع كحالة ثانوية ينخفض مؤشر أولويتها ويرتفع حسب وعي وثقافة الأسرة
غير أن المؤسسات التربوية تعمل وبنَفَسْ مُجهد عن كشف الحالات الإبداعية وتسليط الضوء عليها وإبرازها
إلا أن هذا الجهد إذ لم تباركه الأسرة بشيء من تحفيز ودعم ورعاية لن يتعاظم الإبداع داخل المبدع وسينطفىء سراجهُ كأنه لم يوقد !

الأهل في تكريسهم الحض على اكمال الدراسة وتحصيل الشهادة وحرصهم بمستقبل ابنهم المهني دون النظر إلى موهبته ولا العمل على تنميتها وتطويرها , هم بذلك يَـئِدون مستقبل ابنهم الإبداعي بتراب من "تهميش"
حافرين بعمق جهلهم قبراً تموت فيه الموهبة , قبل أن يشيـع جثمانها بجمل تحكي أبشع أنواع التسفيه والتحقير و الاستصغارالذي يرتفع المقام عن ذكرها
نورد أخفها وطئة ً افلح بدراستك أوّل ) ( هالخرابيط فكر فيها بعدين )
وش تكون رسّام ؟ وش تكون لاعب كورة ؟وش تكون عازف عود؟ وش تكوني مهندسة ديكور ؟وش تكون ممثل مسرح ؟ وش تكون مذيع ؟ وش تكوني روائية ؟
وجمل لا نهاية لها تدل على استهتار المجتمع بماهية المبدع , فيما يدل أيضـًا أننا أمام أزمة حقيقية من الوعي كشأن كل أزماتنا ظاهرها يتفرع من عوامل شتى
وباطنها عامل جوهري يربط فيما بينهم " انخفاض منسوب الوعي " عند أغلب عموم المجتمع التبوكي .
و في محيط الأسرة والمجتمع هناك مساحة من رؤية تتسع آفاقها وتضيق بحسب بعد النظرة وقربها من الإتزان
حيث أن الأغلبية من الأهل يرون من موهبة ابنهم " بعبع" يؤرق مضجع اطمأنانهم والسؤال الذي ينتصب كمارد
فوق رؤسهم : كيف لا يطغى اهتمام الابن / الابنة , بالموهبة على حساب الدراسة والشهادة؟
أنا أُحيِّ كل أب و أم ,استطاعا أن يترجمان الإجابة بسلوك متزن يراعي شأن التعليم وأهميته مع شأن الموهبة وأهميتها
جاعلان هذا الإتزان يصب في جانب تنمية فكر وشخصية ابنهم المبدع .
بيد أن المعضلة تستمر وتـتـفاقم بازدياد أعداد المبدعين البائسين الذين تلهج ألسنتهم بالتذمر والشكوى من إهمال أسرهم لهم
وربما حتى بنسف موهبتهم عن بكرة أبيها بقرارات حادة ومصيرية تقف بالمرصاد أمام تطلعاتهم بتخصص المجال الذي يرغبون
عندها : أي حينما تقف رغبة الأهل ضد رغبة المبدع .
نكوِّن مجتمع " مقهور"ينتج أبناء بغير كفاءة مهنية بغير طموح شاهق , مجتمع يتسلق الآخرون على أكتافه
تمامـًا كما يتسلق الوافدون من العمالة على أكتاف المواطنين وجعلهم عاطلين عن العمل !
وما الضير فقد عُطِلوا من قبل عن ممارسة إبداعهم . خاصة إذا كانت ردة فعل المبدع عنيفة من حرمانه مزاولة نشاطه الإبداعي
هناك تكمن خطورة لها آثار نفسية على المبدع المغلّب على أمره ...تتشكل كأفكار وسلوك إما بنظرة سوداوية للحياة
وإما بهمجية أو شذوذ طارئين على أخلاقه , أو بالحياد عن صراط العادات والتقاليد ولا غرو أليست هي من حرمته من أن يقترف إبداعـًا ما ؟
والطامة لا تنتهي عند حدّ معين تأتيك أسر برؤى متهالكة رثة ..حينما ينظرون للإبداع كشيء كمالي يمارس من قبيل التسلية والترف
ولا غرو أيضـًا فإن لم يكونوا يجهلوا ما قاله رينيه ويج في الإبداع فهم بطبيعة الحال يجهلون البـُعد والعمق والفهم
( ليس الفن لهواً أومجرد ترف مهما يكن هذا الترف رفيعـًا, بل الفن ضرورة ملحة من ضرورات النفس الإنسانية في حوارها الشاق المستمر مع المحيط بها فإذا صح القول أن لا فن بلا إنسان فينبغي القول كذلك أن لا إنسان بلا فن).

يا رينيه كم إنسانـًا لدينا مغيب عن فنّه / إنسانيته .؟ أدع الحكم لكم في مجتمع يحترف طمس كينونة المبدع !




نورة الرواضين
بواسطة : نورة الرواضين
 8  0