×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
محمد آل الياس

بين الحضارة والحقوق
محمد آل الياس

بين الحضارة .... والحقوق


كم من منظر للحضارة من الكتاب البارزين الذين ناقشوا أمور الحضارة بمصداقية وواقعية ، وحاولوا التدليل على طريق الحضارة بوسائلهم التي يؤمنون بها ، وهؤلاء عدد من الكتاب الذين لا تشك أبداً في مصداقيتهم ، حتى ولو كانت تلك الأسباب تحمل نوعاً من المثالية .
وطريق الحضارة كما هو معهود لا يقوم إلا على تراب وإنسان ووعي وإذا تخلف أحد هؤلاء فلا تحلم بحضارة قادمة ، وهذا هو ما يردده مالك بن نبي باستثناء أنه يضيف الوقت بدل الوعي ، إلا أنه من وجهة نظر قاصرة أن الوقت ذكره تحصيل حاصل لأنه معلوم في الأذهان بالضرورة وإنما الوعي هو المؤثر الأول في بنيان الحضارات.
وما أريد الحديث حوله هو الوعي ، فالوعي الملازم للحضارة هو ما ينبع من داخل الإنسان عن سبب الوجود ؟ ولماذا وجد ؟ وماذا ينبغي أن يعمل ؟ وكيف يعمل ؟
إن الوجود الحقيقي للإنسان هو أن يطلّق الأوهام ، ويعمل في ميدان الحقائق ، فإن أكبر عقبة تواجه المجتمع اليوم الخضوع للوهم ، لا بل إرادة زرع الوهم بين الناس من أناس تحتار في مرادهم من ذلك ؟ فتجده يُطلق الأسباب التي سببت التخلف جزافاً ، يستنكره أبسط الناس ، وبهذه البساطة يذكرها بصوت عال .
إن بين الحقوق والحضارة خصوص وعموم فكل حضارة تحمل حقوقاً ولا يشترط في كسب الحقوق أن تكون ذا حضارة ، فالحضارة لابد أن تشمل الأمور المعنوية ، والأمور المادية ، والأمور المادية أمرها أصبح أكثر خلطاً من الأمور المعنوية ، فالماديات لا يعني أن ترصف الطريق رصفاً جيداً ، ولا أن تبني ناطحات السحاب بطرق هلامية ، فهذه نتائج الحضارة وليست هي الحضارة ، بمعنى ليست هي سبب التقدم ، ولكنها نتيجة من نتائج التقدم ، لأن الحضارة المادية الحقة هي سؤال الذات : كيف أصبح منتجاً ؟ فالإنتاج يعقبه التشييد ، وليس العكس بصحيح .
وإذا أتيت إلى الأمور المعنوية فإن الوعي بمعنى المعيشة ، ومعنى الوطن الواحد ، هي التي تعطي الحقوق ، وليست الحقوق هي التي تعطي تلك المعاني ، إن الأمور أصبحت معكوسة في مرآة بعض الكتاب الذين ينظرون في أمور هم لا يريدون من ذلك إلا ملأ فرغ بأسطر فارغة ، ثم يكسب الفراغ حيزا من الوجود ، فيدخل الحيز بعض المجتمع ، فكيف يصبح الساكن في هذا الحيز بربك !!!.
ومن المحزن أن تسطر أسطر ويقدم لها الكاتب مقدمة مغلوطة ، ثم يخرج بأسباب مغلوطة ليصل إلى عالم الحضارة المجهولة في نظري - ، لأن كل المقدمات ضرب من الخيال ، فلابد أن تكون النتيجة مجهولة الحقيقة والمعنى .
فهو يرى أنه في مرحلة لم نصل للحضارة لأنا نفقد ماديات الحضارة ، ولا أدري ما هي المرحلة التي يتحدث عنها ؟ ومتى كانت ؟ ثم تتفاجأ أن من أسباب السير في التخلف هو منع الحقوق المتمثلة في قيادة المرأة للسيارة ، ولا يهمني هنا حجم القضية بقدر ما يهمني المجازفات التي يذكرها بعض الكاتب ، دون احترام لعقول القراء ، ولا مراعاة للأولويات ، ولا تقديرا لطريقة تعاطينا مع النص المكتوب .
اليوم نعيش موجة من التغيرات التي تدل على أن زرع الوعي في الناس لابد أن يكون له ثمرة ، إما بوصول الناس إلى درجة الوعي المناسب ، أو توفيق الله بسبب طموح الصادقين للوصول إلى هذه الدرجة فيتهيأ الخلق لذلك ، فكيف وقد اجتمع الأمران في موجة التغييرات اليوم .
فينبغي أن نواكب التغيرات اليوم بأسباب حقيقية لا وهمية ، و أن نشق طريق الحقيقة بألسن مسددة ، وأن نترك التعلق بالكماليات ، ونهتم بالأصول ، فليس كل تغير في بلد يصلح في بلد ، ولا يسوغ لمن يعيش في النعيم أن ينطلق ليحله من أصوله بأفكار غاشمة ، وأمور فاسدة ، بل يرعاه مع تطلعات مستقبلية راقية ، من أجل الوصول للحضارة المراده .
إن الأمور الحضارية لا تتعلق بأفراد لوحدهم وإنما تتعلق بمجموع الأمة ، فلنترك الأنانية في اقتناص الفرص ، من أجل الدخول في متاهات تعيدنا إلى الوراء ، ولنصنع الفرص التي تقودنا إلى الأمام ، ولنعلم أنه ليس من السهل أن تكون بعيداً عن الحضارة بشقيها سنوات ، وتريد أن تبنيها في سنة أو سنتين فالطريق طويلة ، وكل يكمل الآخر ، ولو تبين للناظر في الظاهر أن الأمر أنف ، إلا أن حقيقة الزمان أنها تكمل الآخر ، سواء في ذات الأمة ، أو في أمة أخرى تزرع اليقظة في الأمة النائمة ، فهذه سنة الحياة الكونية .
بواسطة : محمد آل الياس
 2  0