×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن العكيمي

في مصر: أسئلة قلقة
عبدالرحمن العكيمي

من الشارع المصري ولدت ثورة يناير العاصفة، ومن الشارع المصري تتحرك ملايين الثائرين المثخنين بالأحلام والأوجاع، فتتم صناعة التحولات وصناعة التغيير؛ فكل شيء في مصر أصبح يقبل التحول ويتسق مع لغة التغيير أكثر من أي وقت مضى.. ويبدو أن سقف المطالبات لهذا الشارع الذي تراكمت في دهاليزه معاناة الإنسان في أرض الكنانة صار بالفعل مرتفعا، وصار أكثر ضجيجا وتأثيرا، ولا سيما بعد الثورة التاريخية لدرجة يصعب فيها مواجهة تلك المطالب أو رفضها أو التقليل من شأنها، بل تقف المؤسسة الرسمية وتصغي جيدا حتى وإن كانت غير مقتنعة بها، فالشارع مكتظ بالملايين الذين يستطيعون بالفعل صناعة التغيير ورسم مشهد سياسي جديد.. سنتساءل ــ كمراقبين من بعيد: ماذا أصاب هذا الشارع، وإلى أين ستتجه مطالبه العريضة؟ وماذا أنتجت ثورة يناير كمعطيات منتظرة؟ هل كان انتصار الديمقراطية انتصارا مؤقتا؟ هل كان التغيير انفعاليا ولم يتكئ على رؤية ديمقراطية سياسية؟ هل قامت ثورة يناير بإنتاج ديكتاتورية جديدة دون قصد؟ وما جدوى تظاهرات الملايين إذن؟ وهل ما زال الوقت مبكرا لولادة مشهد ديمقراطي في مصر؟
ستة أشهر ــ تقريبا ــ هي الفترة التي قضاها الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي بعد فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية، وهي فترة قصيرة جدا في عمر العمل السياسي، لكنها شهدت بعض الأخطاء والتراجعات التي قام بها السيد الرئيس، والتي وصفت بأنها تعد انقلابا على المسار الديمقراطي، وعلى وجه الخصوص الإعلان الدستوري وإقرار (دستور جديد) من قبل جمعية تأسيسية لم تشارك فيها الأطياف السياسية المصرية، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك السلفيين، ومثل هذا القرار كان كفيلا بأن يشكل بوادر ثورة أخرى جديدة، وهي التي ربما تكون مختلفة وأشد فداحة وأكثر دموية من الثورة الماضية ــ لا قدر الله..
لا أدري، أجدني منساقا مع تنبؤات ورؤيا الشاعر المصري الراحل أمل دنقل، والتي أطلقها قبل خمسين عاما تقريبا، وسبق أن تحدثت عنها في هذه الزاوية قبل انتخابات الرئاسة المصرية، فكان الشاعر يستشرف الحدث ويقرأ مستقبل مصر العروبة فيقول:
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت : قيصر جديد!
وخلف كل ثائر يموت: أحزان بلا جدوى..
ودمعة سدى
وكم أتمنى عدم تحقق رؤية الشاعر، لكن الذين درسوا تجربة هذا الشاعر الفذ يدركون جيدا أن كل استشرافاته للمستقبل قد تحققت، وكم نتمنى أن لا تتحقق نبوءة الشاعر هذه المرة، فأخطر ما يمارسه الشاعر الرائي هو تحقق الرؤيا والحدس لديه، وكم نتمنى أن لا يتحول الرئيس المنتخب إلى قيصر جديد؟ فتلك الملايين التي منحت أصواتها للرئيس هي ذاتها اليوم تزحف نحو قصر الاتحادية من جديد بمشهد يثير الهلع،
وتظل الأسئلة قلقة على مستقبل مصر من جديد.
ورقة أخيرة لأمل دنقل:
وربما يأتي الربيع «والعام عام جوع»
فلن تشم في الفروع نكهة الثمر
وربما يمر في بلادنا الصيف الخطر
بواسطة : عبدالرحمن العكيمي
 4  0