×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
رهف تبوك

العَدْو والعدَّائون في التراث العربي
رهف تبوك

لم يكن العرب في أزمنتهم القديمة يجهلون الرياضة وأهميتها في بناء الجسم، ولا شك أن الفروسية التي غلبت على هذا المجتمع قديما تطلبت أن يكون الفارس ذا بنية جسمانية قوية تمكنه من تحمل الشدائد، كذلك تطلبت حياة الإنسان العادي قوة أيضا إذ إنه يسافر عبر الصحراء بوسيل بدائية، هي الإبل، والإبل تعدو أيضا وقد كان من العرب من يحب العَدْوَ والجري ويمارسه، وقد جاءت صفة الخيل في القرآن الكريم مشتقة من العدو قال تعالى : (وَاْلْعادِياتِ ضَبْحَا)، فالعاديات - كما فسرها ابن عباس رضي الله عنه - الخيل. ولم يكن عند العرب أسرع عَدْواً منها، ويقول ابن منظور في لسان العرب (عَدَا الرجل والفرسُ وغيره يعدو عدْواً وعُدُوّاً وعَدَوانًا وتَعْداءً وعَدَّى هو مِنِّي عَدْوةُ الُفَرَس تريد أَن تجعل ذلك مسافَة ما بينك وبينه وأَعْدَيْتُ فرسي اسْتَحضَرته)
وفي كتب التراث العربي كثير من قصص العَدْو والجري، فوصفوا بعض الفتيان بالعدّائين، ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني طائفة من هؤلاء العدَّائين الذين امتازوا بسرعة في الجري لافتة للنظر، أو قل شاذة وخارقة لطبيعة الإنسان العادي، ولذلك تجد الرواة قد بالغوا أحيانا في وصف سرعة هؤلاء العدّائين القدماء، ومن هؤلاء العدائين ، ثابت بن جابر (تأبّط شرّاً) والسُّلَيك بن السُّلَكة، وعمرو بن براقة ونفيل بن براقة ، وعامر بن عمرو (الشَّنْفَرَى الأزدي)، فمن مبالغات الرواة أن السليك بن السلكة كان يعدو فلا تعلق به الخيل أي لا تلحقُه وأن تأبط شرّا كان يلحق الحيوانات الوحشية التي لا تألف البشر والمساكن ، وهي بلا شك أسرع من غيرها فقد ذكروا (أن تأبط شراً كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة، فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه فلا يفوته، حتى يأخذه، فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله). وهناك طائفة أخرى من اخبار هؤلاء العدَّائين.لا تكفي مساحة هذا المقال لذكرها
ولعل ما دفع الرواة إلى تخليد قصص هؤلاء العدَّائين أنهم اعتمدوا على قوتهم الجسمانية، فلم يكونوا يستعينون بالخيل ولا الإبل في ترحالهم وحلهم وسلمهم وغزوهم، كما أن بعض العرب ضرب المثل في سرعة الجري بأحد هؤلاء العدائين كقولهم : (فلان أعْدَى من الشَّنفَرَى)، يضرب المثل إذا بالغوا في وصف إنسان بسرعة الجري، وفي هذا المثل جعلت العرب الشَّنْفَرَى معيارا تقيس به سرعة العدّائين، وهو ما يعرف حديثا في السباقات العالمية بالرقم القياسي
خلد بعض العدائين مقدرته على العَدْو شعرا تناقله الرواة وبثوه في كتب الأدب العربي مثل قصيدة تأبط شرَّا التي جاءت في كتاب المُفَضَّلِيَّات، فهو يصف نفسة بالسرعة فيقول أنه لم يجد ما يسبقه من المخلوقات إلا الخيل والنسور، فكان الذين يعدون خلفه كمن يطارودن ظبية أو طائرا جارحا يطير باطراف الجبال، يقول:
إنى إِذا خُلَّةُ ضَنَّتْ بِنَائِلِها ... وأَمْسكَتْ بضعيفِ الوصلِ أَحذَاقِ
نَجوْتُ منها نَجائي مِن بَجِيلةَ إِذْ ... أَلْقَيْتُ ليلةَ خَبْتِ الرَّهِط أَرواقى
ليلةَ صاحُوا وأَغْرَوْا بِي سِرَاعَهُمُ ... بِالعَيْكَتَيْنِ لَدَى مَعْدَى ابنِ بَرَّاقِ
كأَنَّما حَثْحَثُوا حُصًّا قَوادِمُهُ ... أَو أُمَّ خِشْفٍ بِذى شَثٍّ وطُبَّاقِ
لا شيءَ أَسْرَعُ مِنَّي ليس ذا عُذَرٍ ... وذا جَناحٍ ِبجنْبِ الرَّيْدِ خَفَّاقِ
بواسطة : رهف تبوك
 1  0