×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور زيد بن محمد الرماني

للأعياد معنى خاص ومفاهيم سامية !!
الدكتور زيد بن محمد الرماني

فطر الإنسان على حب الأفراح والأعياد، إذ تتزين النفوس وتلبس الدنيا أبهى حللها ويتواصل الناس ويتبادلون التهاني والزيارات التي تدعم أواصر المحبة والإخاء والتراحم.
وللأعياد في الإسلام معنى خاص ومفاهيم سامية يقول د. عبد الفتاح سلامة: يتفرد العيد في الإسلام بما يضفي عليه سمات العلو، والشرف، لأنه من أجل فكرة خالدة ماجدة ولتحقيق هدف نبيل.
فالأعياد في شريعة الإسلام الغراء ليست فصلية أو كونية أو وطنية أو شخصية. فهي تدور مع السنة القمرية حيث تدور وتأتي في كافة الفصول. لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وجد الناس يلعبون ويمرحون في يومين، ورثوا عن آبائهم وأجدادهم اتخاذهما عيدين، فقال لهم: قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى.
ومن أهم المعاني التي بُني عليها الاحتفال بالأعياد في الإسلام: بدء العيد بذكر الله وبالتهليل والتكبير والاجتماع في صلاة العيد والاستماع إلى خطبة العيد.
كان بعض السلف الصالح يظهر عليه الحزن يوم العيد وكان إذا قيل له: إنه يوم فرح وسرور. يقول: صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً وهو الصوم ولا أدري مني أيقبله أم لا؟!.
ورأى أحدهم قوماً يضحكون يوم عيد الفطر، ويلعبون فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين.

قال أبو بكر المروزي: دخلت على أبي بكر بن مسلم رحمه الله يوم عيد، فوجدت عليه قميصاً مرقعاً وقدّامه قليل خروب يقرضه، فقلت له: يا أبا بكر يوم عيد الفطر تأكل الخروب؟ فقال لي: لا تنظر إلى ما آكله الآن ولكن انظر إن سألني: مِنْ أين لك؟ أي شيء أقول!!
ولذا، قال سلفنا الصالح أنّ من الآداب الشرعية للعيد: إظهار التكبير، وإخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد والأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر والاغتسال قبل الغدو إلى المسجد والتجمل في هذا اليوم والمشي من طريق والعودة من طريق آخر وإظهار السرور في هذا العيد بما لا يتنافى مع المشروع، والتهاني تكون وفق الهدي النبوي.
يقول أحد الشعراء في العيد:
يُـسرّ بـالعـيد أقوام لهم سعة من الثراء وأما المقترون فلا
وقال آخر:
نـُسـرّ بــالعــيد يـا ويـحــنـا وكـل عـيــد قـد تـولـى بـعـام
وقال الوأواء الدمشقي:
مَنْ سرّه العـيد فـلا سـرني بل زاد في شـوقي وأحـزاني
لأنه ذكـرنـي بـمـا مـضـى من عـهـد أحـبـابـي وإخواني
قال محمد بن أبي الفرج: احتجت في شهر رمضان إلى جارية تصنع لنا الطعام وتعد لنا ما نحن في حاجة إليه فوجدت في السوق إحدى الجواري ينادى عليها بثمن يسير، وهي مصفرّة اللون، نحيفة الجسم، يابسة الجلد فاشتريتها رحمة لها ورأفة بها وأتيت بها إلى المنزل فقلت لها: خذي أوعية وامض معي إلى السوق لنشتري حوائج رمضان. فقالت: يا سيدي، أنا كنت عند قوم كل زمانهم رمضان. فعلمت أنها من الصالحات العابدات وكانت تقوم الليل كله في رمضان، فلما كانت آخر ليلة في شهر رمضان، قلت لها: امض بنا إلى السوق لنشتري حوائج العيد. فقالت: يا مولاي، أي حوائج تريد؟ حوائج العوام أو حوائج الخواص. فقلت لها: صفي لي حوائج العوام وحوائج الخواص.

فقالت: يا سيدي حوائج العوام الطعام المعهود في العيد وحوائج الخواص الاعتزال عن الخلق والتفريد، والتفرغ للخدمة والتجريد، والتقرب بالطاعات للملك المجيد والتزام ذل العبيد. فقلت لها إنما أريد حوائج الطعام فقالت: أي طعام تعني؟ طعام الأجساد أم طعام القلوب. فقلت لها صفيهما لي.
فقالت: أما طعام الأجساد فهو القوت المعتاد وأما طعام القلوب فترك الذنوب وإصلاح العيوب والتمتع بمشاهدة آثار المحبوب والرضا بحصول المقصود والمطلوب وحوائجه الخشوع والتقوى وترك الكبر، والدعوة والرجوع إلى المولى والتوكل عليه في السر والنجوى.
دخل أشجع السلمي عن الخليفة هارون الرشيد في عيد الفطر، فأنشد قائلاً:
اسـتـقـبـل الـعــيـد بـعـمـر جـديــد مدّت لك الأيـام حـبـل الخـلود
تــمــضـي لـك الأيـام ذا غـبـطــة إذا أتى عـيد طوى عـمر عـيد
وعن العيد قال علي الجارم:
تبلّج بالبـشـرى ولا حـت مـواكـبه ورفـت بأنفاس الـنسيـم سبائبه
أطلّ صباح العـيد جذلان ضاحـكاً يمازح وسنان الرحى ويلاعبه
وكيف ينام الليل في صحوة المنى وقد سهرت شوقاً إليها كواكبه
دخل رجل على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه يوم عيد فوجده يتناول خبزاً خشناً. فقال: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخبز خشن، فقال عليّ: اليوم عيد مَنْ قـُبل بالأمس صيامه وقيامه، عيد مَنْ غُفر ذنبه وشُكر سعيه وقـُبل عمله، اليوم لنا عيد، وغداً لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد!!.




أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


للتواصل : zrommany3@gmail.com
بواسطة : الدكتور زيد بن محمد الرماني
 1  0