×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

العيد في الذاكرة الشعبية
سديم العطوي

مثل دارج في انتظار ليلة العيد " ليالي العيد تبان من عصاريها " حيث يبدأ الناس انتظار ولادة هلال شهر شوال استعدادا للمهرجان الشعبي بفرحة العيد , وفي العشر الأخيرة من رمضان تبدأ الأسر بالاستعداد لعيد الفطر في عمل حلويات العيد المكونة من كعك العيد والبسوس والغريّبة , لذلك قاموا بتسمية العشر الأخيرة من رمضان بأيام الحلق , يعلو صوت المسحراتي وهو ينادي ويطرق على طبلته الصغيرة مناديا ومهنئا بالعيد , يطرق الأبواب ويأخذ منهم الحلاوة ليبدأ الاستعداد بترتيب المنزل لنهار يوم العيد , ولاستقبال المهنئين بهذه المناسبة السعيدة ليسخرجوا زكاة العيد , وفي الصباح وبعد أن يبلس الجميع حلتهم الجديدة من الثوب والغترة والعقال والمشلح , يذهبون للصلاة في المسجد المخصص للأعياد , يبدأ الناس بزيارة الأقرباء وكبار السن من العجزة والنساء , ثم للجار والمعارف , ليأكلوا ما يعرف بالعيدية في كل منزل , فمنهم من يقدم الصيادية ومنهم من يقدم الرز واللحم , ومنهم ما يجود من الموجود حسب قدرته , ثم يكملون تبادل الزيارات , ويظهر في هذا اليوم مدى عمق التلاحم الاجتماعي في المجتمع حيث قلة ذات اليد ومصدر الرزق واكتساح الفقر على الأغلبية فيوزع الأغنياء الكسوة على الفقراء حتى لا يكون هناك خواطر مكسورة في ظل زهوة الأغنياء لمقدرتهم المادية , وتعم الفرحة القلوب فيغطي المجتمع بها , وليتساوى الناس في يوم العيد , تقدم الأُسر حلويات العيد للمهنئين بأطباق مع القهوة العربية .وكان للأطفال مراجيح خشبية يقوم بعملها بعض المختصين ليضعوها في ساحات البلد الواسعة وتحرك يديويا , بسعر يقدمها الطفل من عيديته بقرش أو قرشين , وتقوم بعض الأسر بعمل حلوى السكرية , مكونها السكر مضافا له ألوان وردية وزرقاء , تصب بقوالب على شكل حصان أو عروسه أو جمل, يستوردون هذه القوالب والألوان من مصر , كما تواجدت سكريات أخرى كالعسلية والملبن والتوفي , ويزدهر بيعها في ثلاثة أيام العيد , ليميز الأطفال هذه الأيام الثلاثة بطعمها ويبقى بالذاكر مرتبطا بالعيد , يقام بعد نهاية مطاف واجب تقديم التهاني وتذوق الإطباق والحلويات في البيوت وفي ضحى العيد سباق الهجن في البلد يتبعها سباق القوارب الخشبية من الميناء حتى جزيرة الظهرة ذهابا وايابا , وكانت الجائزة كسوة كاملة للفائز يقدمها أحد أعيان البلد وتجارها وهي عبارة عن ثوب وغترة وعقال ومشلح وكان يستمتع الأطفال بالعيد بركوب القوارب لمدة معينة لا تتعدى القرش والقرشين .
تقضي الأسر أيام العيد الثلاثة بما يسمى " بالقيْلة " وهو تجمع الأسر في مكان معين أمام البحر من بعد الظهر وحتى المغرب يحملون معهم مظاهر العيد من لباس جديد وطعام يبدون فيه مدى عمق اللحمة الواحدة في البلد كأسرة واحدة , فيكون النساء والأطفال من المكان القريب أما الرجال فيقضونه في الجزر القريبة من الساحل يمارسون فيه ألعابهم الشعبية ويرددون أهازيجهم أشعارهم , ليالي تميزت بها حاضرة منطقة تبوك . وكان الأطفال الذكور وقت معايدتهم من الصباح حتى العصر أما الإناث فمن العصر حتى المغرب يدورون على البيوت لجلب العيدية التي تتفاوت ما بين قرش وقرشين وحلويات , أما النساء فلا تبدأ معايدتهن الا بعد المغرب وتمتد لوقت متأخر .
في البادية تبدأ فعاليات العيد من تلقي الخبر الذي يأتيهم بواسطة الهجن ويتواصل الناس مع بعضهم البعض ببعث المراسيل حتى صاروا يتلقونه من الراديو .
تجلب النساء عصا من شجر السمر , ويقمن بتنظيفه حتى يصبح كالخيزران , ثم تأخذ قطعة من القماش وكل امرأة وذوقها وتخيطها بحيث تأخذ شكل العصا بعد تلبيسها له , وتقوم بتعليقها في مقدمة البيت ليلة العيد كراية مبسطة ابتهاجا بقدوم العيد فترى الرايات معلقة في مقدمات بيوت الشعر بالالوان المبهجة , ويقوم الرجال باستخراج زكاة الفطر الواجبة .
يتفاعل كل أفراد الأسرة أو العشيرة مع هذه المناسبة الدينية , وكانت النساء تستعد بالزينة لهذه المناسبة بعجن الحناء , فتحني بناتها من الإناث والذكور الصغار جدا , بحيث لا يتعدى حناء الذكر راحت كفه , ولا يمتد للأصابع , كما تقوم المرأة بتحنية بعض الإبل والغنم بوضع الحنا على صوفها أو وبرها , وتبجدأ النساء بطبخ الطعام من الفجر ويكون من الجريش أو الرز واللحم , وبعد صلاة العيد الذي تجتمع فيه القبيلة أو العشيرة ومن جاورها يبدؤن بتهنئة شيخ العشيرة وتناول طعام الفطور الذي يكون من الرز واللحم عنده ثم يبدؤون بالمرور على الشيوخ الكبار والأقارب والجيران بيت بيت , وتذوق ما يقدم لهم من طعام , حتى وقت العصربحيث توزع المرأة ما تبقى من الطعام على جيرانها وتجتمع النساء في بيت إحداهن لممارسة الفنون الشعبية كالرفيحي , وتأخذ الفتيات الصغيرات اللاتي يرعين الأغنام مما طبخته ربة البيت , ليخرجن به مع الأغنام ثم يتجمعن في مكان يحتفلن به بالعيد كباقي المسلمين وعندما يمر بهن المهنئين بالعيد على ظهور الركاب يقدمن مما لديهن وهم يرددون
أمس الضحى عيد البنات = واليوم عيد ركابنا
أما من يبقين في البيوت , فتأخذ مجموعة من الأخوات بعض الطعام من البيت ويبدأن باللف على بيوت الشعر ثم يقدمن التهنئة للموجودين وهن يرددن الأهازيج :
يا مرحبا بك يا هلال العيد = ياللي تجينا كل حولية
ولكل عريان اكتسى جديد = حتى الضعيّف والغناوية
فتذهب معهن الفتيات بعد أن تغرف الأم لهن من الطعام , ويخرجن بعد أن ينتهين من زيارؤة آخر بيت في مكان ليس ببعيد عن المضارب , ويبدأن بالتصفيق وترديد الأهازيج التي تعبر عن فرحة العيد بدون رقص . وتذهب النساء لتهنئة الكبيرات أولا ثم من يليهم من الأقارب حتى العصر ليذهبن بعدها لمراقبة سباق الهجن .
تنطلق من الضحى الفعاليات بالرماية حتى العصر ليبدأ سباق الهجن حيث يقدم كل مالك أجمل ما عنده من الإبل وأسبق ما لديه بعد أن يقومون بتزيينها بزينة الإبل التي تشتغل بها النساء من الصوف بعد غزلها وصبغها ومن ثم خياطتها , وتتزين النساء بالمنقب والمسفع والخرقة وعندما تمر الهجن أثناء السباق على النساء يرفعن الصوت بالزغاريد والتشجيع , ثم بعد المغرب تبدأ الفنون الشعبية والتي يتسيدها فن الرفيحي , والحوارات الشعرية وطرح القصائد التي تعبر عن الأفراح حتى ساعة متأخرة من الليل . وتستمر لمدة ثلاثة أيام .
ما زالت أيام العيد في منطقة تبوك تحتفظ بمضمون الفرح والسرور وان اختلف شكل الاحتفالات بشكل جذري حتى في طريقة التهنئة .

كانت هناك أهازيج يرددها الأطفال:
جيت يا عيد
ولبسنا لك الجديد
بواسطة : سديم العطوي
 0  0