×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

بقايا إمرأة
سديم العطوي

"بصوت منكسر ممزوج بالحسرة والدموع بدأت زوجة أحد المدمنين سرد قصتها قائلة: زوجي ابتلاه الله بالإدمان، رحلة عذابي بدأت مع زواجنا، كنت أشعر بالتغيير في سلوكياته، ملامحه، صوته، نظرات زائغة، وجه شاحب، وانفعالات زائدة، تلك كانت ملامح حياتي معه.

ذات مرة وجدته يمسك برضيعي ليرمي به من شرفة المنزل، ولكن عناية الله أنقذته. أصبحنا أسرى لديه، لا يدرك أفعاله، ولا يرتقي لمستوى المسؤولية؛ يستولى على راتبي ويسرق ذهبي؛ لينفقه على المخدرات.
تتوقف عن الحديث؛ لتلتقط أنفاسها، ثم تعاود حديثها: "تعاطى زوجي كل أنواع المخدرات، ولم يستجب لندائي له بالعلاج حتى انخفض وزنه للغاية. ذهب لمستشفى الأمل للعلاج، ومع أولى مراحل العلاج وأخطرها هرب، وما نلبث أن نعود للنفق المظلم".

تنتابها نوبة بكاء عارمة، وتتوقف خلالها عن الحديث، وبصعوبة بالغة تقول: تجرعت معه مرارة الذل والمهانة، وشاركته حياته القذرة، أيامي معه مظلمة، كم اعتصرني الألم وأنا أجد بين يدي أحد أبنائي قطعة حشيش ينقلها لأصدقاء والده، دُمِّرت نفسيا، وعشت بقايا امرأة مسجاة فوق نصل الزمن الذي ذبح معنى السعادة وقيم الخير.

وتضيف: في ذاكرة أيامي صورة لن يمحوها الزمن حين شاهد ولدي أباه ملقى على الأرض وعلى يده آثار بودرة الهيروين، وبكل براءة شرع في تذوقها، اندفعت نحوه لإنقاذه، وكانت هذه لحظة فاصلة في حياتي. فكّرت جدياً في الهرب من المنزل لإنقاذ بقايا إنسانيتي وأنوثتي التي اغتالها زوجي بحماقته. خرجت من منزلي، لا أعلم مصيري.

أبنائي في حضني يحتمون بي من ذئاب الطريق، تنقلنا بين الشقق المفروشة، وافترشنا الشوارع الجانبية مع سكون الليل. لن أنسى قسوة أهله معي، نظراتهم كسرت قلبي، صرخت في وجههم "أريد الطلاق، لا أطيق العيش معه".

أخيراً طُلّقت منه، استعرضتُ شريط حياتي معه، وقد ترك اليأس بصماته عليّ فتقاعدت عن العمل، وفقدت الرغبة في العطاء، وتساءلت: ما ذنبنا فيما اقترفه زوجي؟ المجتمع يعذبنا بسوط النظرات والعبارات التي تُفقدنا الرغبة في الحياة".

كل هذا وأكثر في عالم المخدرات.. قصص ومآس.. وخلف الأبواب المغلقة.. مئات الأسرار والحكايات.. هنا يضيع الشرف.. وتهرق الكرامة في مستنقعات العار.. وهنا يقف الشيطان حاكماً بأمره.. من ملفات المخدرات نقرأ الدموع والحسرات.. فإلى متى تستمر هذه المعاناة ....
بواسطة : سديم العطوي
 8  0