×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. الجزء الثاني "قضية التنمر"

قضايا اجتماعية.. الجزء الثاني  "قضية التنمر"
 بدأنا نلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة التنمر بين الطلاب في جميع المراحل ، وما زالت في ازدياد كبير ، مما يترتب معه الوقوف عليها ، ورصد نتائجها ، والبحث في أسبابها ، ومحاولة البحث لها عن حلول تقلل من آثارها ، إن لم نكن قادرين على القضاء عليها .
فما المقصود بالتنمر ؟ وكيف ندرك وجوده ؟
التنمر هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه شخص أو مجموعة أشخاص ضد شخص آخر ، أو مجموعة أخرى ، ومحاولة إزعاجه ومضايقته بكافة الطرق ، وقد يكون التنمر على شكل ضرب ، أو تهديد ، أو الهجوم على المتنمر عليه ( لفظياً ، أو جسدياً ) وقد يكون بنشر الإشاعات ، والأقاويل المغلوطة عنه ، مما يتسبب في تغير نظرة الآخرين له ، وابتعادهم عنه .
وللأسف الشديد ، أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بكثرة في كافة المحيطات ، والمؤسسات ، وبمختلف المراحل ، ومما يزيد أمرها سوءا ، انتشارها بين الأطفال بصورة كبيرة ، ولا سيما في المدارس .
ونحن قادرين على إدراكها ، برؤية آثارها ، وبملاحظة التغيرات السلبية التي يمكن أن تتركها على أطفالنا ، ومن ذلك ظهور علامات الحزن والانكسار على الشخص المتنمر عليه ، وأيضا رغبته في العزلة والوحدة ، وتجنبه للاجتماع بالآخرين ، خوفاً منهم ؛ بسبب العقدة النفسية التي خلفها التنمر عليه ، أو هروباً من نظرات الناس له ، وتجنباً لرؤية انكساره ، أو إدراك ضعفه ، وقد يصل به الأمر إن كان التنمر عليه مستمراً بشكل يومي ، إلى العزوف عن الذهاب إلى المدرسة ، وقد يؤدي في أسوأ الأحوال إلى فشل هذا الطفل في حياته ، وقد يتفاقم الوضع إن لامس ضعفاً أو استسلاماً إلى محاولة الهروب ، أو الانتحار إن لم نكن نبالغ .
وقد تم بالفعل رصد حالات من الانتحار بين المراهقين بسبب التنمر المستمر ، والذي لم يجد من يتنبه له أو يضع له حداً .
وحتى لا نقف من هذه الظاهرة موقفاً سلبياً ، وحتى لا نكون مساهمين بانتشارها بطريق غير مباشر من خلال سكوتنا عنها ، وعدم الاهتمام بمعالجة آثارها ، والخوف كل الخوف أن يقع أحد أبنائنا فريسة لها ، فنعجز عن حمايته وإنصافه ، وقد نندم وقت لا ينفع الندم .
لذا وجب علينا أن نَهُبَ سِراعا لرصدها ، وحصرها ، ومن ثم نضيق الخناق عليها ، ونتكاتف للقضاء عليها ، وقتلها في مهدها ، فنحن إن فعلنا سننقذ الطرفين من سطوتها ، الشخص المتتمر سننقذه من ظلمه ومن تَجَبُره الذي سيلقي به إلى الهاوية ، لأن استمراره بهذا الأمر قد يحوله مع الأيام إلى مجرم تصعب السيطرة عليه .
ونحن أيضاً سننقذ المتنمر عليه بحمايته من ظلم الآخر له ، وحرمانه من حقوقه ، ومن حريته ، وممارسة السلطة عليه ، والتحكم به ، وعرقلة سيره ، دون وجه حق ، وقد يؤدي به ذلك - إن لم نضع له حداً - إلى وجود أطفال مرضى نفسيين ، ومنعزلين عن مجتمعهم ، فيُحرمُوا حقهم بالحياة ، ويُحرمُوا الاستمتاع بطفولتهم ، كما سيُحرم المجتمع منهم عندما يكبرون .
وحتى نرصد هذه الظاهرة ، على كل مدرسة أن تراقب طلابها ، وتتابع سلوكهم ولا سيما من تكثر الشكوى عنهم ، فإن ثبت تنمرهم ، يبدؤوا بعلاجها قبل انتشارها .
وأيضا على كل أسرة أن تراقب أبناءها ، وتقف عند أي تغير في سلوكهم مهما بدا صغيرا ، فتبحث في أسبابه ، وتشجع طفلها على الحوار ، وتجعله يشعر بالأمان ، والثقة ، فينقل لهم واقع ما يواجهه في المدرسة من تنمر ، ومضايقات ، فيرشدهم بكل ثقة إلى من تنمر عليه ، فيتعاملوا مع الموقف بكل حكمة .
وهنا ندرك أهمية التعاون بين المدرسة والأسرة في رصد تلك الظاهرة ، والعمل على الوصول لأصحابها ، ليس ترصدا ، وليس رغبة في الانتقام ، بل لا بد وحتى يكون علاجها جذرياً ، أن نتعامل مع كلا الطرفين على أنه مظلوم ، ويحتاج إلى من يقف معه ويخلصه منها .
وهنا يجب علينا طرح سؤال مهم : ما الذي دفع المتنمر لهذا السلوك ؟
فلو بحثنا بصدق عن إجابة هذا السؤال ، ودرسنا حالة كل متنمر وتعمقنا داخله ، وسلطنا الضوء على حياته وظروفه ، لأدركنا أنه ضحية تلك الظروف ، وأنه بحاجة لمن يخلصه منها ، وينصفه من ظلم وقع عليه ، ولأدركنا أن هذا التنمر ماهو إلا انتقام من حياته التي ظلمته ، ومحاولة للتخفيف من ضغوط تعرض لها ولم يكن قادرا على مقاومتها ، وحتى لا تقتله بسطوتها ، عمد إلى التنمر على من حوله ليحرر نفسه من مخاوفها وضعفها ، وليعالجها من استسلامها وانكسارها لتلك الظروف .
أنا لا أدافع عن المتنمرين ، ولا أبرئ ساحتهم ، لأننا قد نجد أيضا من تنمر دون سبب ، مجرد رغبة في الظهور ، وحباً في السلطة ، واستخداماً للقوة في غير محلها ، ولكني أذكر هذا وذاك ، وأدعو للبحث عن الأسباب ، فكلهم مرضى بحاجة لمن يأخذ بأيديهم ، ويعالجهم مما دفعهم لأن يكونوا ضحايا لتلك الظاهرة بلا استثناء ، وهذا دورنا الذي ينبغي علينا القيام به ، وهي مسؤوليتنا التي لن نعفي منها أحدا ، وهم أبناؤنا ، أمانة في أعناقنا ، وسَنُسْأل عنهم يوم القيامة .
فماذا سنجيب ؟؟؟
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد