×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. الجزء الثاني عشر "قضية الاهتمام بالمظاهر والذي به صرنا نجاهر"

قضايا اجتماعية.. الجزء الثاني عشر  "قضية الاهتمام بالمظاهر والذي به صرنا نجاهر"
 وُصِف عصرنا الحديث بأنه عصر التطور والحضارة ، وقد لمسنا فيه التغير والذي أحدثناه بكل جدارة ، فقد أصبح شاهدا على التقدم وهو عليه إشارة ، ودليلا على التأقلم مع العصر ، والقدرة على التعامل معه هي الأمارة ، فكل من عاش فيه وعاصره أصبح حريصا على أن يجاريه ويأخذ منه بأسباب الإثارة ، فهَجَر القرى ولم يعد يرضيه أن يعيش بِحَارة ، فهو حريص على المال الذي به سيعلن على الفقر انتصاره ، فقد أصبح البحث عن الثراء شعاره ، فقد سلب التطور عقله وظهرت على تفكيره آثاره ، فالمال هدفه في الحياة فهو الوسيلة التي يقضي بها أوطاره ، فها هو يعمل ليله كما قضى في البحث عن المال نهاره ، فلا بالراحة يشعر ولا القناعة ستظهر فهي العيوب التي ستحول بينه وبين ظهوره واشتعال ناره ، فها هو يحرص على المظاهر وفي تحقيقها أظهر لنا إصراره ، فالكماليات بمنظوره أولى من طعامه وشرابه وعليه يدور كلامه و حواره ، فقد يظل جائعا ولكنه بالمظاهر يحتل الصدارة ، فقد جعلها بينه وبين فقره غطاءً فقد حجب عجزه عنها بستارة ، وما عجز عن تحقيقه صار عيباً يفرض عليه تبريره بالأكاذيب ويختلق فيها اعتذاره ، فقد غدا الفقر عيبا في الفروع ولم يعد للأصول استثارة ، فالشكل يطغى على الجوهر ويا للخسارة ، والجماليات أولى من الأساسيات عند معظمنا وهذا مؤشر خطير وترك بنا آثاره ، فقد أصبحت هي الأساس وجنيها أوجب من البقاء ومن الغذاء ومن الدواء ، فهي الداء ولكل داء عدواه وأخطاره ، فقد سرى بيننا كالنار في الهشيم وكانت تكفي لاشتعالها أصغر شرارة ، فلم نعد نرضى بإهمالها وإن كان توفيرها يتطلب منها نقل الجبال أو نحت الحجارة ، نريد أن نمتلك كل شيء حتى أننا لم نعد نكتفي بما علينا اقتداره ، ونبحث عن كل شيء حتى وإن كان استعارة ، حيث أصبحت قيمة المرء بماله ونحكم عليه من مظهره فلم نعد نبحث عن صاحب الخلق ولم يعد يسعدنا جواره ، فأين وصلنا ، وماذا كسبنا من حضارة أفقدتنا حلاوة العيش وبيدنا ذقنا مراره ، فقد أصبحنا كدمى تتلاعب بنا وسلمنا لها أنفسنا ، ولم نظهر للتحرر من سطوتها بِدارة ، فالتميز بامتلاكها والتنافس بها في المظاهر أصبحت تعني الشطارة ، ولم يعد للعقل والحكمة غلبة ، فقد تقدمت الشكليات عليها دون استشارة ، فمن يمتلك زمام الأمور من أهلها فكيف سيعلن العقل انتصاره ، وكيف يأخذ من الحضارة بثاره ، إذ أقعدته إن اعترض وجاهرت على لسان ( الاتيكيت ) احتقاره ، وهدمت في ساحة المظهر جداره ... ..
فهل هذه هي الحضارة ، وهل نحتاج مجاراتها في تلك التفاهات لنحصل منها على استمارة ، وهل سنظل بمعزل عنها إن أهملنا المظاهر على حساب احتكاره ، وهل العقل حقا يتعارض مع الحضارة ، وماهي بالحقيقة إلا إحدى ثماره ، ولكنها الفعال من بعض الجهال التي أشعلت بالعصر ناره ، وقيدت المتحضر بقيود وأحاطته بها كما يحيط بالمعصم سواره ، والصحيح أن ندمج بينهما لنجني بالعقل أفضال الحضارة ، فهو حاميها وبقاؤها رمز لإسبال إزاره ، فإن تطورنا فنحن قمنا بدورنا ، فقد خُلِقنا للعمارة ، وحتى نعلي شأنها ، نرقى بها وبخيرها ، ونحرق منها ما فسد ولا نترك مجالا لها بإغارة ، فإن فعلنا فهي الحياة ، وتلك منها بشارة ، وإن فشلنا فقد خسرنا العقل وشاركنا في دماره ، وهذا ذنب ولا يسعنا بعدها إنكاره ، فليضع كل منا بصمته التي تعكس دوره ، وليحمل كل شخص ثقله ويتحمل بنفسه أوزاره ...
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد