تتبنى رؤية السعودية 2030 اقتصادًا مزدهرًا بفرص نجاح متعددة في مئات المجالات، ولله الحمد، ومنها دعم الشركات الناشئة والصغيرة من خلال مرونة نظام الشركات الجديد الذي أقره مجلس الوزراء، وكذلك خصخصة العديد من القطاعات والخدمات الحكومية لتحسين جودة الخدمات ورفع كفاءة الإنفاق، مما يفتح مجالًا واسعًا للعطاء والاستثمار والإبداع نحو وطن طموح ومجتمع حيوي.
فأصبح الجميع يبحث عن أسرار نجاح الشركات!
بلا شك، إن من أقوى أسرار نجاح أي شركة هو الحوكمة الفعالة.
فما المقصود بمصطلح “حوكمة الشركات”؟
حوكمة الشركات هي:
الآلية التي توضح كيف تقوم الشركة بإدارة نفسها وشؤونها الداخلية.
تنظيم السياسات والإجراءات وتوزيع الأدوار والصلاحيات بكفاءة.
بمثابة المراجعة الداخلية على عمل وإنتاجية إدارات الشركة والموظفين.
مصدر الأمان والحماية لحقوق الملاك والمساهمين بالشركة.
منع استخدام سلطة المدراء في غير مصالح الشركة والمستفيدين.
آلية رفع مستوى رضا المستفيدين وتلبية احتياجاتهم.
تحقيق العدالة والأهداف وتعزيز قدرة الشركة على استدامة الأعمال.
العمود الفقري للشركة.
منع تعارض المصالح بين مصلحة الشركة والمصالح الشخصية للمدراء، وتشجيع سياسة الإفصاح والإبلاغ عن التجاوزات.
فصل ملكية الشركة عن إدارتها.
حوكمة الشركات هي بمثابة “خارطة الطريق” الداخلية للشركة، فإذا أحسنت تصميمها بما يتوافق مع طبيعتها وتحديات السوق، اتسمت الشركة بأعلى درجات الشفافية والمحاسبة، وسهولة إنجاز الأعمال، وصولًا إلى النجاح والإبداع والتميز، ليصبح الموظفون في مستوى رضا عالٍ، مما ينعكس إيجابًا على جودة الخدمات أو المنتجات المقدمة للمستفيدين، وبالتالي يؤدي إلى نمو الشركة وزيادة أرباحها.
المسؤول الأول عن حوكمة الشركات هو مجلس إدارة الشركة، الذي يضع العدالة والأهداف نصب عينيه لرفع قيمة الشركة وتحقيق التوازن في التعامل مع جميع الأطراف ذات العلاقة، لضمان تطبيق الحوكمة في العمليات التشغيلية بالشركة بكل نزاهة وعدالة واحترافية، مما يحميها من المخاطر التي قد تؤدي إلى انهيارها.
ومن جمال الحوكمة في الشركات تعيين مقيمين ومدققي حسابات من خارج الشركة، لا تربطهم بها أي علاقة، لضمان سلامة التقارير والقوائم المالية التي تُرفع إلى الملاك ومجلس الإدارة.
حدثني أحد الإخوة الثقات عن قصته، حيث تعاقد مع إحدى الشركات العائلية (وهذا النوع من الشركات عادةً ما يعاني ضعف الحوكمة) بعقد شراكة تجارية على نظام الامتياز التجاري “الفرنشايز” لبيع نوع معين من المنتجات.
يقول: أثناء المقابلة، قالوا لي: (نرحب بالشريك الاستراتيجي)، ووجدت لافتة مكتوبًا عليها: (رجل الأعمال المميز ينطلق من هنا). فأصبحت أردد في نفسي: الآن زانت لي الدنيا وأحلامي ستتحقق قريبًا!
ويستطرد قائلًا: بعد ذلك، لم تجدد الشركة البضاعة، وخالفت بنود العقد المبرم، كما تلاعب مندوبيها بالفواتير ونسب الخصم، وارتكبوا العديد من التجاوزات الواضحة. ورغم تكرار الشكاوى، لم يكن هناك أي جدوى، لأن الحوكمة تكاد تكون معدومة، حتى انتهى بي الحال إلى إغلاق المشروع وتصفيته، وإعادة ما تبقى من البضاعة إلى الشركة.
ويقول: أثناء هذه الخيبة العظيمة، حضر إلى المعرض زبون يسأل عن قيمة منتج معين، فأخبرته: خذه بلا مقابل، لم يعد الأمر فارقًا! (موقف مضحك مبكٍ… شر البلية ما يضحك!). وبعد فترة، خرجت الشركة من السوق.
وهنا تظهر الحقيقة جليةً: لا فائدة من الغطاء الإعلامي والعبارات الرنانة للشركات في ظل غياب الحوكمة، لأن النهاية ستكون غير مرضية للجميع.
الشركة الناجحة تعلم يقينًا أن الحوكمة متغيرة ومتجددة لمواكبة متغيرات السوق واحتياجات المستفيدين.
ولذلك، نسمع دائمًا عن شركات كانت من أنجح الشركات، ثم فشلت ولم يعد أحد ينظر إلى منتجاتها أو خدماتها، حتى أعلنت إفلاسها وخرجت من السوق. كما نرى كثيرًا من الموظفين يتركون العمل في شركة ويلتحقون بأخرى توفر لهم مزايا وبيئة عمل أفضل بمجرد إدراكهم لغياب الحوكمة وتدهور حال الشركة.
ومن أبرز منافع الحوكمة الرشيدة:
تحقيق الشفافية والعدالة وحفظ الحقوق.
رفع مستوى الثقة بالشركة.
جذب المستثمرين والمساهمين.
الحماية من المخاطر وتعظيم ربحية الشركة.
تحقيق النمو المستدام.
تعزيز رضا المستفيدين.
حوكمة الشركات تختلف باختلاف طبيعة الشركة، فالشركات العائلية تختلف عن الشركات الكبرى، كما أن الشركات الربحية تختلف عن غير الربحية.
يقول معالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، ياسر بن عثمان الرميان:
لنجاح أي شركة، هناك ثلاثة عوامل أساسية:
الإجراءات والأنظمة السليمة (الحوكمة الفعالة).
الأشخاص المناسبون (تمكين الكفاءات وعدم التهميش).
المنتج أو الخدمة المناسبة.
وأخيرًا: شركة بلا حوكمة… لن يحالفها النجاح مهما عملت.
قال تعالى: “أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” صدق الله العظيم.
اترك تعليقاً