الوجهة سعودية والأيام دول

إنَّ للمواهب الرفيعة أثرها القوي في خطى القيادة، والأمة هي المصدر العرفي والظرفي لهذه المواهب، والرجل بموقعه الجغرافي، وللموقع حظٌّ جزيل في بناء الخصائص القيادية، ففي أي موقع جغرافي نشأ الأمير /محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وتكوَّن فكره، وباشر مسؤولياته، حتى تحدَّثت عنه كبريات الصحف الغربية؛ (التليغراف) البريطانية، (س س ام)الأمريكية، قائلة: لقد نجح الزعيم العربي في استمالة الجانب الأمريكي، والصيني، والروسي، بذكاء دون الالتزام لأيٍّ منهم، مما منحه القدرة على التحدث مع ترامب، وبوتين، وتشي جين بينغ، وبشروطه الخاصة.

وأضافت تلك الصحف: إن الرابح الأكبر من التغيرات التي حدثت في العالم مؤخرًا، هي المملكة العربية السعودية، وأنَّ وليَّ العهد السعودي أصبح في مركز العالم الدبلوماسي، واصطفَّ رؤساء أكبر دول العالم بانتظار مصافحة الأمير القوي، الذي فرض نفسه على الجميع، نقول لهم: نشأ الأمير العربي في البلد الذي نزل الوحي في ساحاته، وبُعث النبي محمد صل الله عليه وسلم في أحد بيوتاته، في البلد الذي كان ثراه منبتًا، وممشى، ومقامًا لفحول العرب الأقدمين، وسادة العرب في الإسلام.

إنها المملكة العربية السعودية، هذا الكيان الإسلامي الشامخ، قبلة لأكثر من ثلث سكان العالم، وهذا أعطاها مكانة وهيبة فريدة، لا يملكها بلد سواها، وهي تحتضن بيت الله الحرام.
وجميل أن يكون كيانُ المملكة مستقل ومهاب، في وقتٍ ازدادت فيه الصراعات، والاستعلاء، والإقصاء، والتناحر الإقليمي والدولي. وهاهي المملكة العربية السعودية، تُعطي درسًا من الواقع، لن يكون باستطاعة المتحيّزين انتقاده، وهي تصوغ بجهودها الناهضة مواقف سعودية جديدة، ذات أوجهٍ متعددة، حيث الأفق الفكري والسياسي السعودي قد استحقَّ اهتمام الدول الكبرى، عندما أُسند بناء المستقبل إلى روّادٍ يُوجِدون موارد الابتكار، ويدخلونها حيّز التنفيذ، دون أيّ إملاءات من أيّ مصدر خارجي.

وقد نجح وليُّ العهد، حفظه الله، في استخدام ثروة بلاده لتحقيق رؤيته (٢٠٣٠) في بناء اقتصاد أقلّ اعتمادًا على النفط، وجعل بلاده لاعبًا رائدًا في مجالات الطاقة المتجددة، والمناخ، والتحول الرقمي، والسياحة، والاستثمار، والرياضة.

وعندما توجَّه زعماء العالم لزيارة المملكة، فتح لهم الأبواب، ورحّب بهم، فنجح في استمالة الجانب الأمريكي والروسي بذكاء، للجلوس على طاولة المفاوضات، بدلًا من استخدام الجيوش، وتحدَّث معهم، واستقبلوا مرئياته، وبات مقرّبًا إليهم.

وتأتي رعاية المملكة لهذه المحادثات ضمن جهودها المشهودة لتعزيز الأمن ، والسلام العالمي، وإيمانها بأهمية الالتزام بالقوانين الدولية، وأنَّ الحوار هو الحلُّ الأمثل لحلّ النزاعات، وتقريب وجهات النظر، مما يُسهم في إرساء الأمن، والاستقرار العالمي.

وقد نوَّه رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الأمريكي الأسبق(فريد فلينر)، بأنَّ الأمير محمد بن سلمان يستحق جائزة نوبل، ومن النادر وجود صانع سلامٍ مثله في الساحة الدولية حاليًّا.

كما يرى الدبلوماسي الأمريكي الأسبق (ألبيرتو فرنانديز)، خلال حديثه على “سكاي نيوز العربية”، إن زيارة الرئيس (ترامب ) للمملكة تحمل في طيّاتها اعترافًا أمريكيًّا بالدور القيادي الجديد للمملكة العربية السعودية، مضيفاً بأن المملكة لم تعد مجرّد لاعبٍ إقليمي، بل باتت دولة ذات نَقلٍ عالمي في ملفات كبرى، تتراوح بين الطاقة، والأمن، والتكنولوجيا، والتسويات الدولية، وأضاف: لقد ولّى زمن الإملاءات والتدخلات المباشرة، وجاء زمن الاعتماد على شركاء يتمتعون بالقدرة والحكمة في إدارة ملفات إقليمية شائكة، شراكة استراتيجية عبر الأجيال.

(٧)ملوكٌ في المملكة، و(١٥) رئيسًا أمريكي، عبَروا جسر التعاون بين واشنطن والرياض، منذ اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس (روزفلت).

واختيار (ترامب) للمملكة لتكون المحطة الأولى في جولته الخارجية لم يكن مجرّد مجاملة دبلوماسية، بل إعلانٌ صريح بأن المملكة لم تعد حليفًا إقليميًا فقط، بل شريكًا عالميًا يُعتمد عليه في تشكيل مستقبل المنطقة، وأمن الطاقة، وملفات التسوية، والاقتصاد، والاستثمار.

هكذا أثبتت الرياض، أنها أصبحت اليوم العاصمة السياسية الجديدة للشرق الأوسط.

لقاء الرئيس ترامب بالقيادة السعودية لم يكن مجرّد عقد قمة، بل أُعيد من خلاله تعريف النفوذ، وسُجّلت وقائع يصعب على “الصغار” في العالم فهمها، إنها رسالة سياسية مشفرة للعالم بأسره، بأن “الشرق الأوسط الجديد” الذي لطالما تحدث عنه ترامب، يبدأ من الرياض، ‏حين تُرسل ⁧‫أمريكا ‬⁩ 22٪ من اقتصادها الوطني الى عاصمة القرار الرياض ممثلة في كل من (ماسك، زوكربيرج، ألتمان، فينك )قادة أسواق المستقبل، صُنّاع التحول التقني، ومهندسو الإدراك العالمي معًا يتجهون إلى السعودية العظمى‬⁩، ليسوا في رحلة مجاملة، بل في قافلة اعتراف بأن القرار لم يعد يُصنع حيث يُحكى، بل حيث يُحسم، وهذا ليس وفدًا بل وزن نوعي ناطق بلا كلمات، وختمُ اعترافٍ ممن يملكون مفاتيح (٦٠٠) مليار دولار أمريكي من أصول الاقتصاد الأمريكي، يصطفّون لفرصة الحضور في الرياض، ليُعاد ضبط الاستثمار، بل يُعاد توزيع الصوت السيادي، ومن لم يفهم دعه يثرثر من بعيد كما اعتاد ونقول له “القافلة تسير، والكلاب تنبح”، السعودية لا تنتظر توصيفًا، فهي من يصنع القاموس، ولا تطلب اعترافًا، إذ يُعترف بها بمجرد الحضور، السعودية، حين تُعطي، تمنح ثِقَلًا، وحين تستقبل، تُقرّر مصيرًا، ولايزايد عليها في العروبة فهي موئل العروبة داراً ونسباً، والعربية في المفرد الوسيط من مفردات اسمها الذي اصطفى في العقد الرابع من هذا القرن ،حفظ الله بلاد التوحيد في معيته وعزته (إن العزة لله جميعاً).
بقلم
عضو مجلس المنطقة
اللواء المتقاعد
عبد الله بن كريم العطيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *