بقلم: عنان النفيعي
في أعماق كل إنسان مساحة صامتة لا تُدرك بالعقل، ولا تُترجم بالكلمات؛ مساحة يسكنها الحنين، وتزهر فيها المشاعر كما يزهر الفل والياسمين في عتمة الليل. هناك، بين القلب وأحلامه، تتقاطع الطرق بين الأوهام والذكريات، فتبدو الأحلام أقرب إلى سؤال بلا إجابة.
أدركتُ، يوم رحلتَ، أن حبك لم ينتهِ، بل تبدّل. لم يعد حضورك بجانبي، لكنه صار جزءًا من تكويني؛ يتسلل إلى نظرتي للعالم، ويطل من صمتي الذي لا يشرحه أحد، حتى أقرب الناس إلى قلبي. رحيلك لم يكتفِ بأن يتركني فارغة، بل أعاد تشكيل ملامحي ومشاعري. جعلني أكثر هشاشة حين تعود الذكرى، وأكثر صلابة حين أحاول أن أمضي من دونك. كنتَ الكسر الذي علّمني كيف أعيش ما تبقّى من حياتي، وكيف يمكن للزجاج، رغم شروخه، أن يعكس الضوء من جديد.
مشاعري معك صارت ككتاب تركته في يدي ثم انسحبتَ… كتاب مفتوح تحت المطر. كلماتك ما زالت عالقة في مسمعي، لكنها مشوّهة، مبعثرة، قاسية الملامح. وكلما عدتُ إلى ذاكرتي لأقرأك، وجدتُ الصفحات التي حملت ملامحك قد تحوّلت إلى أوراق ممزقة لا تُجمع ولا تُرمى.
ومن غيابك تعلّمتُ أن الحنين إليك أثقل من الحديد؛ يجرّني كلما حاولتُ أن أنهض. وأن ذكرياتك ليست حروفًا صامتة، بل مخالب من نار تخدش صدري مع كل نفس عميق. الليل بعدك لم يعد مجرد ظلام، بل مسرحًا صامتًا يُعرض فيه حضورك الغائب: ضحكتك، التفاتتك العابرة، وحتى صمتك الذي كان يغنيني عن الكلام.
أخيرًا… أنت الغياب الذي يكتبني من جديد، وأنت الحضور الذي يطاردني في كل فراغ.


اترك تعليقاً