في زمن الصورة والصوت، لم تعد القيمة الإعلامية تُقاس فقط بعمق الطرح أو مصداقية الكلمة، بل أصبح البعض يقيسها بعدد الصور التي جمعته مع “الوجهاء”، وعدد الدعوات التي حضرها في مجالس الأثرياء. هكذا، بهدوء ودون إعلان رسمي، تحوّلت بعض الممارسات الإعلامية إلى ما يمكن تسميته بـ “التسوّل الاجتماعي”.
هذه الظاهرة لا تتعلق بالفقر المادي، بل بـ فقر في المهنية والكرامة الإعلامية. بعض الإعلاميين – ممن يملكون أدوات التأثير والصوت العالي – اختاروا أن يسخّروا تلك الأدوات لا لخدمة الجمهور أو نقل الحقيقة، بل لصناعة علاقات شخصية مع أصحاب النفوذ والمال. ليس بدافع بناء شراكة مهنية أو تطوير محتوى نوعي، بل بدافع القرب، الظهور، وربما – في بعض الأحيان – الطمع في عطايا أو مكاسب خلف الكواليس.
الإعلامي الذي ينزلق إلى هذا النوع من العلاقات، لا يطلب الدعم بشكل مباشر، بل يلوّح بالحضور، بالمجاملة، بتلميع الشخصيات، بل وحتى بالتنازل عن دوره النقدي حين تستدعي المصلحة ذلك. إنه لا يمد يده صراحة، بل يُحسن استخدام الكلمة كوسيلة استرضاء، ويُتقن فنون الصمت حين يكون الكلام مكلفًا.
ما يثير القلق في هذه الظاهرة هو أنها تُربك المشهد الإعلامي، وتُذيب الفوارق بين من يعمل بضمير، ومن يعمل بدافع القرب من “النفوذ”. فحين تختلط المهنية بالمصلحة، تُصبح الرسالة مشوّشة، وتفقد المنصة مصداقيتها أمام جمهور بدأ يدرك من يكتب لأجله، ومن يكتب لمن “فوقه”.
لا أحد ينكر أهمية العلاقات الاجتماعية في العمل الإعلامي، بل ربما هي جزء من أدوات النجاح. لكن حين تُبنى هذه العلاقات على استرضاء متواصل، ومجاملات جوفاء، وتنازلات عن المبادئ… فإننا لا نتحدث عن علاقات، بل عن تسوّل ناعم يرتدي عباءة الإعلام.
وأخيرًا، الإعلامي الذي يربط قيمته بمن يعرف، لا بما يقدّم، سيبقى مجرد “تابع” في مجلس الكبار، حتى وإن التُقطت له أجمل الصور
اترك تعليقاً