عرفات.. ساحة الغفران

تغمرنا أيام العشر الأوائل من ذي الحجة ، عظّم الله أمرها ، و شرّف قدرها ، وهي أيام جمعت خصائص الفضل ، و أودع الله فيها الكثير من الخيرات ، فالسعيد من اغتنمها ، و تعرَّضَ لنفحاتها ، قال عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني أيام العشر ، قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ” .
نعيش غدا الخميس أجواء يوم عرفة ، التاسع من ذي الحجة ، وهو يوم إكمال الدين ، وإتمام النعمة، ومغفرة الذنوب ، والعتق من النيران ، وفيه يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات ؛ لأداء الركن الأعظم من مناسك الحج في موكب إيماني مهيب يُعدُّ أكبر التجمعات البشرية في العالم ؛ حيث يرتدي الحاج لباس الإحرام الأبيض ، فالحجاج في هذا اليوم ينثرون البياض في الأرض بلون لباسهم الأبيض ، ويعكسون الصفاء في سحب السماء الزرقاء في يوم الغفران ، وألسنتهم لا تنفك من ترديد التلبية ” لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ” .
و في ساحة الغفران في صعيد عرفات ، تخشع القلوب ، وتذرف العيون ، و تُسكب العبرات ، و تُرفع الدرجات ، و يُباهي الله بحجاجه ملائكته ويقول سبحانه : انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غُبراً مُلبين من كل فج عميق ، أُشهدكم أني غفرت لهم .
وتتوافد جموع حجاج بيت الله الحرام في صباح يوم عرفة إلى مسجد نمرة ؛ لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً ؛ اقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والاستماع إلى خطبة عرفة – قبل الصلاة – وبعد غروب شمس هذا اليوم يتوجه الحاج إلى مشعر الله الحرام مزدلفة ؛ حيث يؤدي ضيوف الرحمن صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير ، ويبيتون ليلتهم ، ثم يتوجهون إلى مشعر منى بعد صلاة فجر عيد الأضحى ؛ لرمي جمرة العقبة الكبرى ، و يتحللون من الإحرام ويذبحون هديهم ، كما يقيمون في مشعر منى أيام التشريق الثلاثة .
ومن فضائل هذا اليوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صيام هذا اليوم لغير الحاج : ” صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ” ، كما يُستحب في هذا اليوم الإكثار من ذكر الله تعالى ، وشهادة التوحيد والدعاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ” .
ومن آداب الدعاء في هذا اليوم أن يقف الحاج مستقبلاً القبلة ، رافعاً يديه ، متضرعاً إلى ربه ، معترفاً بتقصيره في حقه ، عازماً على التوبة الصادقة ، روت عائشة عن النبي أنه قال : ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة .
و ختاماً أقول : هنيئاً لكم حجاج بيت الله الحرام شرف الزمان والمكان ، فقد وردتم بيت الله المعظم ، و قصدتم ركن الإسلام الأعظم ، فلكم تُزف التهاني ببلوغ هذه الأماني ، والله المسئول أن يُتم حجكم ، و ييسر أمركم ، ويتقبل منكم .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *