النَّفْسُ بَيْنَ الْحَرَاكِ وَالسُّكُونِ : جَدَلِيَّةُ التَّوَازُنِ فِي أُفُقِ الْوُجُودِ

إنها النفس الكيان الذي يحمل سرّ الوجود الفردي ويختزن في أعماقه جدليّة الحراك والسكون فالنفس ليست كتلة ثابتة أو الجوهر الصامد خارج الزمكان بل هي الحركة المتواصلة التي تتقاطع فيها الرغبات والأفكار والانفعالات وتنتقل بين لحظات الاندفاع الحيوي وبين الانكفاء والتأمل ولايُمكن فهم النفس إلا بوصفها كيان يتحرك بين هذين القطبين الحراك والسكون وهذا الانتقال لايُفهم في البُعد النفسي فقط بل تنقلات هذه النفس هو انعكاس لأعمق إيقاعات الوجود نفسه .
فالحراك في النفس هو انفتاحها واندفاعها الخارجي في طلب المعنى أو في تحقيق الغايات ونيل المراد هو حركة الوعي حين تتولد الدوافع وتنشط الإرادة ويُستثار الخيال فلا يقتصر الحراك على كونه النشاط الجسدي بل هو الطاقة الداخليّة التي تجعل النفس في شعور من التوق المُستمر للمعرفة والسعي لتحقيق القيم وحراك لتعانق انفعالاتها الشعورية في الحب أو العطاء أو الغضب أو الأمل وإن كان حراك النفس هو انفتاح واندفاع الوعي بها نحو الخارج فإن السكون هو عودة الوعي إلى الداخل كي يتأمل ذاته السكون هو مقام الإنصات والوعي في حضرة السكون قد انسحب من كل حراك خارجي لتستعيد النفس توازنها ويلهمها السكون اكتشاف الذات الباطنيّة ويبلغها حالة التوافق بين انفعالاتها وفكرها وكأن النفس في السكون تعود لأصلها لتستمد طاقة جديدة للحياة وحراكها.
فالحراك بلا السكون يتحول إلى اندفاع متوتر مشتت يستهلك الطاقة النفسية في الخارج والسكون بلا الحراك هو ركود وانغلاق لذلك فإن انتقال النفس بين الحالتين هو توازن حيوي نحو الأستمرارية والنضج ، هذا التنقل بين الحراك والسكون لا يتوقف عند حد التجربة الفرديّة إنما يتصل بحركة الوجود ذاتها فالأنسان في حراكه ينفتح على العالم ويثبت حضوره في الزمان والمكان وفي سكونه يلمس الباطن الذي يتجاوز الزمان فالنفس تعيش بين بعدين بُعد يربطها بالواقع والتاريخ وبُعد يعيدها إلى جوهرها تتجاوز به الزمكان
هي ليست ساكنة بالمطلق ولامتحركة على الدوام بل انتقال الوعي بين الحالتين لتدرك النفس حكمتها وتكمن في القدرة على الإصغاء إلى إيقاعها بين اندفاع وانكفاء بين صوتها في الخارج والهمس في الداخل حيث يكمن سر التوازن الكوني الأنساني .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *