حين جلستُ لمشاهدة مسلسل “الصحبة الحلوة”، لم أكن أتوقع أن أعيش كل تلك المشاعر المختلطة من ضحك، وحنين، وتأمل، وحتى لحظات صمت ثقيلة تشبه تلك التي تُصاحبك حين تتذكّر من فقدتهم دون وداع.
عشر حلقات قصيرة من هذا المسلسل، لكنها اختزلت الكثير من المعاني التي غابت عن كثير من الأعمال الدرامية في السنوات الأخيرة.
وللعلم، فإن المسلسل يفتح نافذة نادرة على فئة عمرية غالبًا ما تُهمَّش دراميًا؛ ثلاث سيدات بلغن السبعين، لا يبحثن عن الحب ولا المال، بل عن صديقة قد فرّقت الأيام بينهن، وهذا بحد ذاته كافٍ ليكون المسلسل مختلفًا.
فبين طيّات القصة، تكتشف أن العمر الحقيقي لا يُقاس بالسنين، بل بالقلوب التي ما زالت تعرف كيف تشتاق، وتضحك، وتغفر.
أداء الفنانة هدى حسين في دور “سدرة” هو حجر الزاوية؛ من نظراتها، وسكوتها، واسترجاعها للماضي، كانت أكثر تأثيرًا من ألف حوار، ولم تلعب الدور فقط، بل عاشت فيه، وتحديدًا عندما تسأل نفسها بمرارة: “وين خديجة؟ ليه راحت؟” — في تلك اللحظة، شعرتُ أنني أبحث معها، لا عن خديجة فقط، بل عن أصدقاء فقدتهم أنا أيضًا.
ما أعجبني أكثر هو خفة الظل؛ ليس هناك نكات جاهزة أو مواقف مصطنعة، بل سخرية لذيذة من الحياة، من التقدُّم في العمر، من التكنولوجيا، وحتى من العزاء الذي تحوّل إلى بداية حياة جديدة. والكوميديا في “الصحبة الحلوة” تشبه حديث جدتك الذي يجعلك تضحك، ثم تبكي بعدها بدقيقة.
المسلسل نجح لأنه لم يحاول أن يكون “ترند”، بل كان صادقًا؛ لم يعِدك بالتشويق المفتعل، ولا بالحبكة المفاجئة، بل قدّم لك ما يشبه الحياة نفسها: بسيطة، هادئة، لكنها تمسكك بعمق.
وفي ختام مقالتي، أردت أن أوضح و أؤكد أن “الصحبة الحلوة” ليس مجرد مسلسل، بل رسالة أن العلاقات الحقيقية لا تموت، حتى لو صمتت لسنوات. وهو عمل يُشاهَد بالقلب لا بالعين، ويُشعرنا أن الزمن لا يُفرّق من يعرف قيمة الصحبة.
و”الصحبة الحلوة” علّمني أن الذكريات لا تموت، بل تغيّر شكلها فقط؛ قد تصير مشهدًا في مسلسل، أو لحظة بكاء مفاجئ في منتصف الليل، أو حتى ضحكة لا تدري لماذا خرجت منك وأنت تشاهد شيئًا بسيطًا.
وأنصح كل من يشعر بالحنين، أو فقد صديقًا، أو نسي نفسه في زحمة الحياة، أن يشاهد هذا العمل، فربما يجد فيه ما يعيده إلى نفسه، خاصةً أنه لم يكن هذا العمل مجرد قصة، بل كان مرآة عاكسة لكل ما هو دفين في القلب من الحب، والفقد، والوفاء، والحاجة الدائمة لأن نتمسّك ببعضنا ما دمنا هنا.

اترك تعليقاً